لم أكن متأكدة بشكل قاطع من ارتباط حياتنا اليومية بالكوابيس التي نراها خلال نومنا، حتى توقفت مؤخرًا أحلام السيارة المنطلقة على الطريق وأنا مرتبكة أبحث عن حلّ لإيقافها أو قيادتها ولا أستطيع! أصبحت الأحلام أكثر وداعة، الآن هيفا تبدأ بتشغيل السيارة، تعرف أي الدواسات تستخدم، وتنطلق على طريق ولا تسقط من هاوية. والسبب؟ هو دروس تعلّم القيادة التي تلقيتها في مارس الماضي، أما الرخصة والاختبار ذهبت في النسيان مع إقفال كلّ شيء.
ما هو الكابوس الذي تخلصت منه في أغسطس؟ كوابيس البحر المائج. لقد فعلتها أخيرًا وركبت الماء وأقول الماء لأنني لم أكن في قارب، صغير كان أو كبير على امتداد حياتي. نعم عشت لثلاثين عامًا في مدينة ساحلية، لكنني كنت دائما على الساحل. لذلك ولدت كوابيسي، من المدّ الهائل، للموج الذي يغمرني، للظلمة الممتدة وأنا لا أسبح ولا أغرق. نعم أنا واعية للتفسير خلف رموز الأحلام، وربما هي مسائل من الحياة لكنها تظهر على شكل بحر، أو أسد، أو حتى عنكبوت. لكنني تخلصت من كابوسي الحقيقي، وقضيت عدة أيام في البحر. كانت مثل حلم هادئ. وقد تخوفت من احتياجي لعلاجات الغثيان لكن الموج كان لطيفًا. وأدرك اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى أي درجة أحب البحر. وإلى درجة احتاجه في أيامي. وستة أشهر بعيدة عن رؤيته أصابتني بشوق غريب. شوق الذي يغمض عينيه ويرى أزرق ممتدّ في كلّ مكان، ويسمع صوت نوارس ولا يراها في مدينته الصحراوية.
ركبت البحر وحصلت على عدة ليالٍ بعيدًا عن المنزل وهكذا كسرت تعهدي بعدم الذهاب إلى أي مكان حتى تنجلي الجائحة أو يُعرف لها علاج. كانت الرحلة مزيج من عمل وترفيه، ولكن أيضًا كان لديّ خيار رفضها أو تأجيلها. لم أفعل. وتزامن ذلك مع قراءة لمقالة صادفتها في هارفارد بزنس ريفيو خلال أغسطس الماضي.
المقالة في المجمل تتحدث عن ضرورة الحصول على إجازة، حتى في هذه الظروف، وتطابقت أفكار المقال مع ما بدأت ترويض نفسي عليه: لن تكون الرحلة كما خططتِ لكّنها فرصة لتغيير المناظر والبشر.
في المقال نصائح متفرقة عن كيفية تحقيق هذه الخطة، ومن الممكن ألا تكون سفر بالمعنى الحقيقي (ركوب طائرة، أو قطار، أو سيارة) قد تكون ليلة في فندق قريب في مدينتك، أو نهاية أسبوع بصحبة أقاربك. المهمّ هو ألا تتنازل عن فكرة الراحة والاستجمام.
أغسطس كان شهر اليقظة، أن أكون منشغلة تمامًا بشيء، بعيدة عن منزلي وأشيائي المألوفة، عن زاوية التأمل التي أقضي بها نهاية النهارات، ثم يغمرني شعور هائل، أريد أن أعود الآن للمنزل، أريد أن ابدأ شيء، أن انتقل لمكان، لا أعرف ما هو لكنّه شعور موجود وملحّ لتغيير كلّ شيء. هل سبق وشعرتم بهذا؟
هل كانت هذه حصيلة الخروج الأول للحياة؟ حصيلة إيقاف القلق والهلع للحظات لنتخيل العالم بلا جائحة؟ نلتقي بأحبتنا ونتذوق أطايب الحياة، نتسوق ونمشي في ضوء الشمس، نتأمل أضواء المساء في مدينة بعيدة. نعم قد يكون هذا هو السبب، كنت فقط بحاجة للنوم ليلة واحدة بعيدًا عن حبسي الفيزيائي والمعنوي.
الرفض والبدء من جديد
تزورني كثيرًا فكرة “الرفض” هذا الشعور الذي يأتي بمثابة حاجز، أو تحويلة إجبارية في الطريق. ونحن، إما أننا نواصل ونقاوم هذه العقبة أو نستسلم ونعود أدراجنا. والرفض يأتي بأشكال كثيرة، فهو مرة مقابلة عمل تحولت إلى منحدر ورسالة إلكترونية تفيد باستبعادك. ومرة صمت ممتد لا يمكنك تفكيكه أو فهمه بطريقة أخرى غير أنّه رفض متأنق. قد ترفضنا العلاقات وتنتهي، وقد تستغني عنّا جهة العمل فجأة وبلا إنذار. كلّ هذه المواقف رفض. وبعد أن مددت خطتك ورسمت كل اتجاهاتها بحذر يأتي الرفض وكأنه طفل مشاغب، يقلب كلّ شيء ويقول: هاه ماذا ستفعل الآن؟ في كثير من المرات شعرت بأنّ الرفض نهاية كلّ شيء، واحتجت لوقت طويل لاستيعاب طريقي وخطتي من جديد. لكن، مع العمر والتقدم في الحياة واكتساب الخبرات، قررت أن أمنح نفسي وقفة قصيرة فقط لإعادة التهيئة والانطلاق من جديد. وفي أحيان كثيرة –ويا لدهشتي– كان الرفض أجمل عقبة وجدتها في طريقي، ورضيت وقنعت بأقدار الله، لاكتشف أنني ما كنت لأرى هذا المنظر الجديد، ما كان لي أن أجد ضالتي لو لم يكن الطريق مقفلًا في وجهي للحظات.
صحيح الرفض متعب، ومخجل أحيانًا سأستطرد قليلًا هنا: تذكرت رسائل الإعجاب التي بعثتها لأشخاص لم أجد منهم سوى ردود غريبة أو مجاملة سببت لي المغص بدلًا من الفرح ودارت الأيام وتقاطعت طرقنا في عمل أو علاقات مشتركة. كيف تتوقعون أنني تعاملت مع الموقف؟ نسيت رسائلي تمامًا. كان الرفض موجعًا وقتها، لكن الآن أفكر بجدية: الحمد لله أنّ الرد لم يكن بالقبول والموافقة، ربما لم نكن متوافقين تمامًا، وربما كانت تصوراتي الحالمة عن هذا الشخص هي ما قادتني بالدرجة الأولى لكتابة الرسالة. وعلى أيّة حال، لم تتغير فكرتي عن المبادرة، وربما سأفعلها مرة واثنتان وثلاث.
ما الذي وجدته مفيدًا للتعامل مع كلّ أشكال الرفض؟
- الوعي بمشاعري والاعتراف بها، لا أهمشها ولا أقمعها ولا أقاومها بشدة. إذا كنت حزينة، أو خجلة، أو محبطة، أواجه كلّ شيء وأعطيه مساحته. ثم أنهض من جديد.
- إذا قوبلت بالرفض هذا لا يعني النهاية، كوني أصل وأقف عند الحاجز يعني أنني أقدمت بطريقة أو بأخرى، دفعت نفسي إلى مداها، وهذه العقبة ليست إلا دليل على شجاعتي مهما كان الموقف.
- أعامل نفسي برفق، واستبعد التقريع والكلام المؤذي معها. ودائمًا أتذكر النصيحة التي تقول: عامل نفسك وكأنها صديق تحبّه جدًا وتثق به. هل ستقابلها بالأذى الدائم والبذاءات؟ لا أعتقد.
- الرفض الذي أواجهه والعبارات والأحاديث المصاحبة لهذا الرفض لا تمثلني بالكامل. قد تكون مرتبطة بجزء من شخصيتي، الجزء الذي اخترت إظهاره في تلك اللحظة. وسواء كان الرفض من وظيفة أو علاقة، يجب ألا يحدد هذا الموقف تقديري لذاتي ونظرتي لها.
- أتعلم من هذا الرفض درس للحياة. ومثل أيّ تجربة أخرى، يصبح الموقف بوصلة يحدد خطواتي القادمة وما الذي يجب عليه فعله للتقدم إلى الأمام.
انتصار مهمّ
أحبّ خوض مغامرات وتحديات مع جسمي، أعرف أن الله وضع قدرات هائلة في أجسامنا وعلينا اكتشافها بكلّ الطرق. تارة يكون التحدي نظام تغذية جديد، أو تمارين مختلفة، وتارة أخرى يكون التحدي مع الساعة البيولوجية وكيفية ضبطها لتناسب طاقتي وأهدافي اليومية. أعرف مثلًا أن البقاء يقظة بعد الساعة ١٢ صباحًا يرسل جسمي في اليوم التالي في رحلة فوضوية من الكسل والضياع. لذلك اعتمدت الاستعداد للنوم قبل ١١ مساء، والانشغال بأي نشاط يبدّد آخر ما تبقى من طاقتي، سواء قراءة، أو تدوين يوميات، أو مكالمة هاتفية.
ما هي المشكلة التي واجهتها الفترة الماضية؟ أن وقت صلاة الفجر يصادف غرق في النوم العميق، وما من سبيل للاستيقاظ بهدوء لأن المنبّه يفزع كل خلية في جسمي، وأوفر هذا الفزع لموعد الاستيقاظ للعمل عادة. لكنني ما زلت أعمل من المنزل لليوم وساعتي البيولوجية توقظني حول الثامنة والنصف بلا منبّه.
احتجت لإضافة تنبيه بيولوجي جديد، بدأت بمنبه بصوت خفيف وبعيد في الغرفة، يصل لعمق نومي وكأنه نداء خافت. واستيقظ في نفس الوقت لعدة أيام. ثمّ توصلت لفكرة شرب السوائل في وقت متأخر قريب من وقت الغفوة، وأصبح جسمي يوقظني في الرابعة والنصف أو بعد بقليل. لقد انتصرت! حدث الأمر بمرونة وهدوء والآن أتممت الأسبوع الأول من الاستيقاظ للفجر بلا منبّه.
ماذا أحببت في أغسطس؟
- مسلسل Foodie Love
- مسلسل The New Pope
- رواية: سالباتييرا – بيدرو مارال
- رواية: غراميات – خابيير مارياس
- سيرة ذاتية: هكذا مرّت الأيام – بلقيس شرارة
- عطر جديد: Ofresia
- عطر جديد: Rose of No Man’s Land
- العودة للعمل في المقاهي
- الأكل في المطاعم والمزيد من الزيارات للأصدقاء
- التعليقات اللطيفة التي غمرتوني بها بعد نشر تدوينة “إلى الحقيقة وما بعدها“
- زيارة جدة والبحر الأحمر
- زيارة متجر Homegrown Market
- قهوة Sculpture
- زيارة محمصة مدّ وتجربة قهوتها
- قهوة Hemi
- قهوة Azur
- فطائر الدونت الشهية من Dots
.
.
.
للابد ياهيفا احب تدويناتك واختياراتك وكلماتك للابد احبك من بعيد واترقب كل ماتكتبينه بعين محب ممتن لك ♥️
تحياتي .
الله عليك يا هيفا عندما تكتبين عن ما نفكر به!
أتسائل أحياناً إلى أي حد نتشابه ولا نتشابه..
لو كنت أعرف أنك قادمة لجدة كنت عرضت عليك كوب قهوة فاخرفي مكان متواضع وحميمي مثل Cup and Couch 🙂
كوني بخير
البحر ، الأحلام ، الرفض، الانتصار والساعة البيولوجية!
كلها كانت مدار اهتمامي ومغامرتي هالأسبوع وكيف لخّصتيها بعمق واختصار.. دمّعت والله.
ليه دمّعت؟
بسبب وصفك لأهمية الرضا عن الله ثم صداقتنا مع ذواتنا و أن لازم ما ننسى هالشيئين في خضم تحدّياتنا.
جميلة علاقتك بذاتك يا هيفا.
بالنسبة لسؤالك عن الرفض والبدء من جديد، نعم واجهته، مجازف ولذيذ في آن وحقيقي ترا..
أعتقد بأنه ينبع من هدوء داخلي يسبق عاصفة ما، عاصفة إيجابيّة طبعًا.
كل التوفيق 3>
دائما تأتي مقالاتك متميزة قريبة شفافة
محفزة قائمة تجاربك في اغسطس
حقيقي انا ممتنة لوجودك يا هيفا، ممتنة لكل حرف بتكتبيه، ممتنة بكل ما تعنيه الكلمة
كل كلمة بتكتبيها لها وقع جوايا، بتجاوب على حاجة يمكن سألتها لنفسي في يوم م الايام وملقتلهاش اجابة
ويمكن بتخليني استكشف حاجة في نفسي عمري ما فكرت فيها
شكرًا
تدوينة رائعة و سرد مشوق .. شكرًا هيفاء
فعلًا الكثير من الرفض كان خلفه خيرة و فرص أجمل و بدايات أروع لم نكن مدركين لها .. و الكثير من الخسارات كانت بداية لعطايا وافرة ..