١
تقول الرزنامة بأنني أكملت الشهر الثاني في وظيفتي الجديدة. مرت سريعًا، ولأول مرة أشعر بأن العمل يأخذ دور ثانوي في حياتي. أتابع وأنجز وأقدم المهام تامة وعلى أكمل وجه، وأحصد الملاحظات التي تزيد من حماسي لبدء يوم جديد. عدّاد الأيام الذي لم تفوت موضي حسابه يشير بأننا نقترب من اليوم الخمسين في العزل. خرجت خلال هذه الفترة مرتين فقط وكلها للضرورة القصوى وشراء الحاجيات الأساسية من السوبرماركت. الأيام الماضية تعرفت على فكرة إننا نحرم أنفسنا من متع بسيطة، ونغرق في أمور نرى فيها الحياة كلها. هذا الهدوء الإجباري وضعني أمام مرآة ضخمة وكل يوم أفكك حياتي وأمدها على بساط أبيض، وأعيد تركيبها. جاءت أزمة كورونا في وقت التداعي. وفي البدء قلت لنفسي: عظيم هذه عاصفة أخرى ستقضي على ما تبقى من جدران. وما حصل أنّ رحلة التشافي بدأت في تلك اللحظة تمامًا. لم يعد هناك مهرب، لم يعد هناك رفوف أرفع عليها القصص والمشاكل وأنساها. أنا وأنا وأنا. هذا الحبس الثمين وضعني أمام حقائق كثيرة جمّلتها وخبئتها، وتجاهلتها. في البدء كانت حواراتي الداخلية تشبه شجار مع عدو أو آخر شخص ترغب في البقاء محبوسًا معه. ثم هدأت المعارك تدريجيًا. وصلت لمنطقة في المنتصف عندما أيقنت بأن البقاء هنا سيطول. من الخطط الإيجابية الذكية التي بادرت بها في بداية شهر مارس ترتيب غرفتي، ومساحة العمل الخاصة بي. رتبت المكتبة، وطاولة الزينة وأحضرت مرآة كبيرة –حقيقية وليست مجازية– لأرى نفسي كل يوم وأنا استعد لبدء العمل، وأثناء التمرين، وفي اللحظات التي أشعر بكراهية الذات قليلًا واحتاج لتذكير بأنّ الأحاديث المؤذية تنسج في رأسي وتبدأ منه وفي الغالب ليست حقيقية. وبذكر الصورة والانعكاس، خلال الأشهر الماضية وصلت إلى مكان غير محببّ، اللحظة التي أنشغل فيها عن نفسي، وتزداد الفوضى ويزداد وزني، والحلّ؟ تجاهل المرآة تمامًا وارتداء الملابس التي تخفي معالم التغيير والانغماس في كل شيء لا يرتبط بوجودي الفيزيائي على الأرض. هذه العودة للذات علمتني أن أحبّ مساحتي الخاصة من جديد ولا أفكر في الهروب منها. أحب الهدوء الذي يصنعه الباب المغلق، والقصص التي ينسجها الجيران في النهار مع نافذتي المفتوحة.
وهذا الحجر أعادني إلى:
- االقراءة بنهم: قرأت خمسة كتب خلال الشهرين الماضية وهذا رقم قياسي منذ سنوات.
- العودة للتمرين اليومي: ساعتي الرقمية تقول بأنني تمرنت في أبريل ١٨ يومًا، الرقم الأعلى خلال الستة أشهر الماضية هو ٥ فقط.
- تناول الطعام بشهية وليس لملء فجوة لا نهائية من الضجر.
- خسارة الوزن: ٤ كيلوغرامات، وفتحت الخزانة لارتداء ملابسي المحببة، وتدريجيًا أحبّ صورتي في المرآة.
- التدوين الكتابي لمشاعري وتفاصيل الأحداث اليومية.
- إتمام جردة رقمية لملفات أجهزتي، والحسابات التي أتابعها على الشبكات الاجتماعية، والروابط التي سأزورها لاحقًا ولا أفعل.
بالأمس جلست قبل الأذان في باحة المنزل الأمامية، أصوات الشارع والغيم الذي يركض، وقبل دقائق من رفع الأذان رائحة اللقيمات والخميرة والقلي تفوح تدريجيًا. ابتسمت للفكرة، هذه اللحظة التي تشبه شارة انطلاق سباق، نتشارك في الحبسة ونتشارك المذاقات، ولكلّ منّا حربه الداخلية اليومية التي يختار إما أن يكسبها أو يستلقي ممدًا على أرض المعركة بانتظار النهاية. أعيش أيامي بالأمل واتوقع أن ينتهي كلّ هذا قريبًا، وعندما يحدث ذلك لن أفرط بلحظات الاستنارة التي وصلتها ولا بهذا القرب الذي أعيشه مع نفسي مهما كانت المغريات.
٢
أشياء لطيفة جربتها مؤخرًا:
- مدونة درو باريمور التي أطلقتها مع العزلة المنزلية.
- تجربة إعداد طبق الأجبان والمكسرات والفواكة بين الفطور والسحور (في بنترست أفكار لا نهائية! ابحثوا عن Cheese Platters).
- شرب كوب واحد من القهوة يوميًا والاحتفال به.
- قناة ستِف المخصصة للخبز وتحضيره بأبسط الطرق.
- بودكاست The Work Life
.
.
.
اللوحة للفنان جيرارد ريختر Gerhard Richter
هذه التدوينة أخذت قلبي!
ما أحلاكِ🌸
شكرًا لك و لتدوينك الذي يؤنسني :’)
أفرح كثيراً لما أشوف تدوينة جديدة نازلة من تدويناتك✨
تدوينتك هذه هي الضوء في هذا النفق المظلم.
شكراً لك هيفاء ❤️
جمممميلة وكأني عشتها بتفاصيلها بين أحرفك. أحبك.
وجدت مدونتك في موقع الفهرست، وأعجبني قولك حول تناول الطعام بشهية وخسارة الوزن، هذا أمر مشجع حقاً ورائع، أحتاج لزيادة جرعة التمارين الرياضية، شكراً.
الجميل في تدويناتك و قصاصات و تسجيلات.. عفويتك و صدقك يصل لنا مباشرة
استمري ننتظرك بحماس
تدوينه جميلة رائعة
فكرة المرآة من فتره وانا افكر بها بس عزمت الان اني ابدأ بها ❤️🌿
شكرا لك و لكتاباتك
شعرت بهدوء وسكينة فى تلك التدوينة
بالإضافة إلى مقدار رائع من الطاقة الإيجابية
شكرا لكى
وشكرا لصديقتى التى أرسلتنى هنا