كان مسفوعاً جداً دائما، قويا، حتى في سنّ سبعين سنة. كان ما زال قوياً، قمحياً مثل هندي، مثل أمير هندي، مهراجا بعيون يتطاير منها بريق الابتسامة. لقد كان راضياً قانعا بنصيبه، لقد أحب الشمس والعمل الجسماني، لقد كان مستمتعاً بعمله كحوذيّ، وطوال حياته كانت له وجهات نظر بروليتارية. كان يعتبر كلّ صمت وكأنه موجه ضده أو كأنه هو المذنب فيه. طوال حياته كان قلقا جدا من الصمت. في كل لحظة كان يعتبر نفسه مسؤولا عن استمرار حياة المحادثة، ويشعر دائما بأنه فاشل ومذنب إذا ما خبت المحادثة ولو للحظة. كان متكلما لا يكل ولا يتعب، يفيض بكثرة الاقتباسات والأمثال، يسرع دائما مبتهجاً لكي يشرح ويقتبس متحمسا ليغدق عليك للتوّ كل ما يعرفه من معلومات وليقدم لك متبرعاً وبدون أية حسابات كنوز ثقافته ومكنونات ذاكرته الغنية. وهكذا كان يندفع منه نهر زاخر من الاشارات، والروابط، والتلميحات والالماعات، والتمحيصات والتلاعب بالالفاظ والتوريات. غابات مثقلة بالحقائق والوقائع والقياسات، تلال من التفسيرات والادعاءات المناقضة، والجدالات العقيمة التي تهدف إلى تسلية الحضور، أو الترويح عنهم أو خلق جو من البهجة وحتى التغابي قليلا، لا يحرص على كرامته وكل ذلك خشية أن يسود الجو صمت. ولا حتى صمت قليل ولو للحظة واحدة.
– “قصة عن الحب والظلام” لعاموس عوز
مدونه ثريه بالثقافه والفن والحياة
كثيراً ما اتصفح مدونتك لأجد المنفعه والتسليه والحياة