٥ | إعادة اختراع

قرأت اقتباسًا لحنيف قريشي في إحدى اللقاءات التي أُجريت معه بما معناه: أنّ روعة كونك كاتبًا تكمن في تحوّلك لشخصٍ آخر تمامًا كلّ عشر سنوات. الاقتباس ذكّرني بنفسي تقريبًا والتحوّلات التي مررت بها خلال العقدين الماضية -وهي تقريبًا الفترة التي أصبحت فيها الكتابة مهنتي. في بداية الألفية وبعد تخرّجي من الجامعة كان الهدف الوحيد لديّ أن ألمع كصحفية تطرح القضايا الشائكة والمثيرة للجدل على الطاولة. لكن العشر سنوات الأولى كشفت لي أنّ الأمر لا يشبه الصورة الحالمة التي رسمت.

ولكن، جانب الصحافة بقي حاضرًا في مقالات تُنشر خمس أيام في الأسبوع. كتبتُ في كلّ المواضيع، العادية والهادئة، اخترعت القصص من أحاديث من حولي وناقشت هواجسي وكأنها شأن عامّ. كتبت في التربية والأدب والصحة والمجتمع. أذكر تلك السنوات بوضوح، كلّ شيء كان فرصة لكتابة مقال – كيف تكتب خمس مقالات أسبوعيًا دون أن تخترع قليلا؟ لا أجد فرصة للحديث عن هذه التجربة دائمًا. أمرّ عليها سريعًا في مقابلة عمل مع جهة لا يعرفني فيها المقابلون أو عند تعرّفي على شخص جديد دون أن افترض مسبقًا أنه يعرفني. تبدو بعيدة مثل حلم، وقريبة جدًا إذا واجهتني مصاعب الكتابة اليوم. كنتِ تكتبين خمس مقالات في الأسبوع!

العشر سنوات التالية بدأ هوسي الجديد بكتابة الرواية، سأكتب رواية مختلفة لم تُقرأ من قبل! بدأت التجريب بالقصص القصيرة ومع تأثري بقراءة الكثير من روايات الواقعية السحرية بدأت لمساتها تظهر في فصولي المقترحة. شيء ما مفقود ولم أعرفه. لا أدري متى كانت المرحلة الفاصلة التي قررت معها توديع الخيال والقصص والروايات للأبد. ربما كانت العشر سنوات التالية؟ بدأت أركض في مضمار جديد: كتابة المحتوى التسويقي. الكثير من الخيال طبعًا والبهارات ومنح الأشياء قصص لا تملكها. كتبت لمنتجات ومبادرات وتقنيات جديدة وكتبت لأشخاص ليظهروا بصورة مختلفة، كانوا يعيدون اختراع أنفسهم مثلي.

لا أذكر آخر قصة كتبتها لنفسي لكن الواقع واليوميات أصبحت مجالي المحببّ. أكتب بلا مواربة أو توصيف زائد أو خلق قصة متخيلة. أكتب عن يومي عن مخاوفي عن أصدقائي وأحبتي وتجاربي. تنساب الكتابة هنا بخفّة ولا أجد ممانعة ولا ينضب الحبر إلا عندما أقرر طائعة الانحياز للصّمت. في العقد الحالي قررت أن يكون كتابي الأول سيرة ذاتية لا رواية أو نصوصًا متخيلة. والعمل على الكتاب ذكّرني بحبي لقراءة السّير وكيف تمدّ تأثيرها على أيامي الصعبة. أبحث دائمًا عن قصة شخصٍ ما في مكانٍ آخر يجرب شيئًا مختلفًا. والمشترك في كل السير التي اقرؤها على اختلاف عصرها وثقافتها ومكانها هي المشاعر الغامرة التي يشاركها كُتّابها. هذا ما ابحث عنه وأجده: صوت يقول أنتِ بخير وهذا طبيعي وهناك من يشعر مثلك ويحسّ.

المرور باقتباس حنيف قريشي أخذني في رحلة تفكّر قصيرة لما مررت به مع الكتابة. ظننت أنّ تحولها لوظيفة بالكامل سيترك في نفسي نفورًا منها لكنّ ما فعله عملي بشهيتي مدهش! نهم شديد للحكي والقصّ مكتوبًا ومقروءا. أبحث دوما عن قصة منعشة أو نص ذكيّ ينظر للحياة من زاوية هادئة.

كانت هذه مقدمة طويلة لتدوينة نهاية الأسبوع، كتبتها وأنا استحضر أسبوعًا ملوّنًا مليء بالانتصارات والعجائب الصغيرة. أخذت في منتصفه استراحة غير متوقعة بعد وعكة مزاج -أو جهاز هضمي. حضرت ورشة ممتعة مع الكاتب والمترجم محمد آيت حنّا حول «رحلة الروايات عبر الثقافات» تحدّثت الورشة عن التحولات التي مرّت بها الرواية وكان الجزء الأحبّ منها هو التمرين الذي يختار فيه الحضور رواية يفضلونها ويجيبون عن الأسئلة التالية بناء على اختيارهم:

  • ماهي الأرض الثقافية التي تترسخ فيها الرواية؟
  • كيف عملت الرواية على إخراج الثقافة من الحيز المحلّي إلى الأفق الكوني؟
  • أي نقد ثقافي تقدّمه الرواية؟

الأسئلة أوجدت أحاديث شيقة لقرابة السّاعة وتعرّفت خلالها على روايات جديدة لم أمرّ بها من قبل. وتعرفت على زوايا قراءة مختلفة لروايات قرأتها. خرجت بقائمة ملاحظات على هاتفي وسعادة مختلفة في اكتشاف مكان محببّ من جديد.

بالإضافة للورشة التي حضرتها كانت هذه مفضلاتي للأسبوع:

 

.

.

Collage by Rhed Fawell 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.