١
بدأت كتابة تدوينة هذا الأسبوع أمام نافذة تطل على الحرم المكّي الشريف. وقبل أسبوع بالتحديد بينما قضيت ساعات المساء الأولى في المنزل اقترحت على أختي الذهاب لمكّة وأداء العمرة. لم يكن هناك الكثير من التفكير، حركنا بعض المواعيد وطلبنا إجازة من العمل وانطلقنا مدفوعين بالحماس لعطلة روحيّة قصيرة ولنفض غبار العام الماضي عن قلوبنا. كلما عرف أحد من حولنا بموعد الرحلة قدّم لنا تحذيراته حول الازدحام والتوقيت الصعب، لكننا كنا محاطين بهدوء طيّب: تتيسر بإذن الله!
في عمرتي السابقة كانت الأجواء مختلفة فقد سبقت بيومٍ واحد إلغاء إجراءات التباعد في الحرم وتقييد أعداد الدخول. أذكر أنّي ووالدتي اعتمرنا وعدنا للفندق وفي نشرة المساء الإخبارية شاهدنا الإعلان والموظفين يزيلون العلامات اللاصقة من الأرضيات.
كلّ شيء حول هذه الرحلة تيسّر والحمد لله. من حجز السكن للطائرة للوصول والخروج السلس من المطار لمكة. والسائق الذي اصطحبنا هناك أعلن في لحظةٍ ما قبل الوصول: أنتم مبروكين! فوصولنا تزامن مع وقت صلاة الـظهر وإغلاقات معتادة للشوارع لكن رجال الأمن وبلا أسئلة أو تدقيق سمحوا لنا بالمرور. لقد استشعرت كلماته في قلبي، فما أجمل الشعور بالبركة تحلّ في حياتك اليومية.
في الساعات التالية خضنا تجربة حسّية غير عادية، أقول لذلك لأنني لم أجد نفسي في ازدحام مماثل أبدًا! وبدأ الصراع الداخلي بيني وبين نفسي هل أدفع الناس عنّي أو اندمج معهم ونتحرك سوية لإتمام مناسكنا. في الحرم أبلغنا رجال الأمن عند الدخول أن صحن الطواف مغلق، ولكني بعنادي المعتاد قررت أن أجد مدخلًا. أكملت المسير مع أختي وفي كل زاوية أعود للتحدث مع رجل أمنٍ آخر وأطلبه سرّ الدخول. وصلنا لأحدهم وأشار بيده إلى جهة خفية من المكان وبعد دقائق وجدنا أنفسنا هناك.
هناك بدأنا طوافنا محاطين بالبشر من كلّ بقعة في الأرض. تسمع أدعيتهم المتضرعة وتردد معهم قليلًا وتأمن، وتعود لنفسك فتذكر دعواتك التي رتبتها في قلبك وتجهزت لها لأيام. التفت فأشاهد الأطفال محمولين على أكتاف آبائهم (هل سيذكرون هذه اللحظات؟) سلسلة من الأصوات والمشاعر لن تعيشها في أي مكان آخر.
تيسرت العمرة بأجمل صورة وتلاشى التعب والتوتر من الازدحام وفي لحظة خارج المكان والزمان احتضنت أختي بحبّ. لقد فعلناها! أتممنا أول وأهمّ رحلة لهذا العام فالحمد لله على التيسير.
سنقضي عدة أيام في جدة لننعم بالدفء ورؤية البحر فهو وجهتي في كلّ منطقة ساحلية أزورها. نستعيد في رحلتنا هذه أول زيارة للساحل الغربي، ورحلاتنا التي ذهبنا فيها سويّة. الاكتشافات والمذاقات والأصدقاء الذين نجتمع بهم في كلّ مرة نزور المدينة.
استعد أيضًا لأسبوع ممتلئ بالأعمال والخطط، ومشروع ورش العمل التي سأقدمها خلال العام سيدخل حيز اختيار الأماكن والجهات التي سأتعاون معها.
٢
أسعد بتعليقاتكم على التدوينات دائمًا وفي التدوينة السابقة تركت «هلا» تعليقًا ذكرني بتدوينات المفضلات التي كنت أنشره من وقت لآخر، فكّرت في تدوينة مناسبة لمفضلات ٢٠٢٤ (شيء مثل جوائز السنة لمنتجات وتجارب أحببتها) بدأت فعليًا بإعدادها وقد أضيف مفضلات جديدة من رحلة نهاية هذا الأسبوع.
٣
قرأت خلال الأسبوع الماضي اقتباسًا لتشارلي مونجر – مستثمر ورجل أعمال أمريكي- يتحدث فيه عن الخوارزمية الأساسية للحياة وهي أننا عندما نجد شيئا يعمل بشكل جيد، نستمر في فعله. وبعبارة أخرى: كرّر ما ينجح. وأذكر هنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من بورك له في شيء فليلزمه». شعار حياتي الحالي وسرّ عودتي الدائمة لمجالات العمل والتعلم التي أحبها. أثبتت هذه الخيارات جودتها وعوائدها المادية والمعنوية على حدّ سواء، لذلك أختارها من جديد كلّ مرة. وهذه المقولة أيضًا هي السرّ الذي يدفعني على التمسك بمجال عملي مهما بدت التغييرات الأخرى مغرية ومحفزة. بدأت الكتابة قبل أكثر من عشرين سنة، وأنوي التمسك بها ما حييت.
.
.
.