خلال السنوات الثلاث الماضية ظهرت لي باستمرار وبشكل يومي منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تشجع على وضع الحدود الشخصية واحترامها. بعضها كان لطيفًا وملهمًا والبعض الآخر مليء بالغضب والأوامر غير المنطقية لنا كبشر. نعيش في جماعات ونأنس بالآخرين ونحبهم. هذا التأرجح في عرض موضوع مهمّ وحساس يضمن لنا عيش الحياة بصورتها الأفضل دفع فضولي في اتجاهات مختلفة. مرة اتحدث مع الأهل والأصدقاء عن تعريفهم للحدود وكيف يفعلونها في حياتهم اليومية؟ ومرة بالقراءة والبحث عبر المصادر الرقمية ومشاهدة مقاطع الفيديو والاستماع للبودكاست. لا أعلم حقيقة ما الدافع وراء موجة التصحيح والتحول لعيش أطيب، هل كانت الجائحة التي دفعتنا للشعور بأننا نوشك على الانتهاء؟ هل كان الانفصال الاجباري عن الآخرين؟ هل دفعنا بطريقة ما لتحليل كل نواحي حياتنا واكتشفنا أن المسبب الرئيسي لكثير من مطباتها: نحنُ؟
لم أجد إجابة بعد، لكنني عثرت على كتاب لطيف واقرأ فيه على مهل منذ شهر أو يزيد. اسم الكتاب Set Boundaries, Find Peace للكاتبة نيدرا غلوفر تواب. قرأت عدة فصول منه باللغة الإنجليزية. ومع أن نسخة عربية صدرت خلال هذا العام إلا أنني لم اطلع بعد عليها أو جودة ترجمتها. تهدف الكاتبة عبر كتابها هذا إلى تعريفنا بالحدود الصحية، كيف نضعها؟ وكيف نحقق التوازن بين جوانب حياتنا المختلفة – إن وجد ذلك حقًا – وكيف نستمتع بعلاقات جيدة مع الآخرين.
الكتاب مقسم إلى قسمين رئيسيين:
الأول يساعدنا على فهم أهمية وضع الحدود الشخصية وأنواعها وتعريفها، والقسم الثاني مرتبط بالعمل الفعلي وكيفية وضعها.
يتبع كل قسم مجموعة من الفصول التي كُتبت بلغة خفيفة وواضحة ومؤثرة، وبعد كل قسم تمرين مخصص لمراجعة ما تعلمناه. أحببت طريقة الكاتبة في اعتمادها على إجابة الأسئلة كتابيًا وهذا في ظني يترك الأثر الأفضل على الانسان. أن ترى كل شيء مدونًا أمامك: اجاباتك الحقيقية والشفافة على الأسئلة الصعبة، واستعدادك للتغيير والتحسين. سأشارك معكم في الجزء التالي من التدوينة ما اقتبسته من الجزء الأول في الكتاب. أتوقع أن يثير حماسكم لاقتنائه أو اكتشاف الكاتبة عبر ما نشرته من مقالات وتوجيهات بهذا الخصوص.
لكن ماذا نقصد بالحدود؟
الحدود هي التوقعات والاحتياجات التي تساعدك على الشعور بالأمان والراحة في علاقاتك. تساعدك التوقعات في العلاقات على سبيل المثال على البقاء بصحة جيدة. تعلم متى تقول لا ومتى تقول نعم هو أيضًا جزء أساسي من الشعور بالراحة عند تفاعلك مع الآخرين.
معانٍ أخرى للحدود
- ضمانة ضد اجهاد الذات.
- من أشكال العناية بالذات.
- تحدد الأدوار في العلاقات.
- طريقة جيدة للتواصل والتعبير حول السلوكيات المقبولة وغير المقبولة في العلاقات.
- معيار لتوقعات العلاقات.
- طريقة لإخبار الآخرين بما تتوقعه منهم.
- طريقة لإيصال احتياجاتك للآخرين.
- طريقة لخلق الوضوح في كلّ شيء.
- وسيلة للشعور بالأمان.
مؤشرات احتياجك للحدود
- تشعر بالإرهاق الدائم.
- تشعر بالاستياء عندما يطلب الآخرون مساعدتك.
- تتجنب المكالمات الهاتفية والتواصل مع الأشخاص الذين تعتقد أنهم قد يطلبون مساعدك.
- تعبر دائمًا عن امتعاضك بسبب مساعدتك للآخرين وانعدام حصولك على شيء بالمقابل.
- تشعر بالاحتراق.
- تحلم بترك كلّ شيء فجأة والاختفاء تماما.
- ليس لديك الوقت لنفسك.
لماذا لا يحترم الآخر حدودك؟
قد يكون هناك مجموعة من الأسباب التي تدفع الآخرين إلى تجاهل حدودك الشخصية. وللأسف جزء كبير من هذه الأسباب يعتمد عليك.
- لا تأخذ نفسك على محمل الجدّ.
- لا تحاسب أو تعترض على من يتجاوز حدودك.
- تسبق وضع الحدود مع الآخرين باعتذار.
- تبدي مرونة كبيرة مع حدودك.
- تستخدم لغة غير مؤكدة وحاسمة.
- لم توضح حدودك بالكلام (كلها في رأسك).
- تفترض أن عملية رسم الحدود تتمّ دفعة واحدة وبلا جهد.
- تفترض أن الناس يكتشفون ما تريده وترغب به بناء على تصرفك واعتراضك تجاه اقتحامهم للحدود.
عندما نريد بناء حدود شخصية واضحة وصحيّة نحتاج أولًا التعرف على أنواع الحدود هذه وأين نقف منها الآن. بشكل عام هي ثلاثة، ويندرج تحت هذه التصنيفات عدة أفكار تحدثت عنها نيدرا في الكتاب.
الحدود المسامية
الحدود المسامية أو الضعيفة تضرّ بنا دون قصد. وجودها يؤدي إلى الشعور بالإرهاق والقلق وظهور ديناميكيات العلاقات غير الصحية.
من سمات الحدود المسامية
- المبالغة في مشاركة التفاصيل الشخصية.
- الاعتماد على الآخرين
- الخصومة
- عدم القدرة على قول لا
- الاجتهاد في إرضاء الآخرين.
- الاعتماد على ردود الفعل من الآخرين
- خوف شديد من الرفض
- القبول بسوء المعاملة والأذى
أمثلة على وضع الحدود المسامية
قول نعم لأشياء لا ترغب بالقيام بها.
إقراض المال للآخرين لأنك تشعر بأنك ملزم أو عندما لا تملك الدخل الكافي لذلك.
الحدود الصارمة
يقع هذا التصنيف على النقيض من سابقه. تشبه هذه الحدود بناء جدران عالية لإبعاد الآخرين تمامًا. شعور الأمان الذي يحصل عليه الفرد غير صحي ويؤدي إلى عزلة تامة ومجموعة مختلفة من المشاكل. وبعبارة أخرى: الحدود المسامية تعني تقارب غير صحي، بينما الحدود الصارمة منفى اختياري يصنعه الفرد بنفسه. سبب اللجوء لهذا التصنيف برأي الكاتبة هو تاريخ طويل من الضعف أو الاستغلال يلجأ بعده الفرد إلى اغلاق الأبواب بينه وبين الآخرين.
من سمات الحدود الصارمة
- الامتناع عن المشاركة.
- بناء الجدران.
- تجنب إظهار الضعف والهشاشة.
- مقاطعة الناس.
- توقعات عالية من الآخرين.
- فرض قواعد صارمة على الذات والاخرين.
أمثلة على وضع الحدود الصارمة
الرفض بقسوة كطريقة لثني الناس عن طلب شيء منك في المستقبل.
الامتناع عن الزيارات العائلية بشكل تام.
الحدود الصحية
يصبح وضع الحدود الصحية ممكنًا عندما تتخلص من تأثير ماضيك على تفاعلاتك الحالية مع الآخرين. تتطلب هذه الحدود وعيا بقدراتك العاطفية والعقلية والجسدية، بالإضافة إلى التواصل الواضح.
سمات الحدود الصحية
- وضوح القيم الشخصية.
- تبني رأيك الخاص
- المشاركة مع الآخرين بشكل مناسب.
- اظهار الضعف والهشاشة بشكل صحي مع من يكتسب ثقتك.
- قول «لا» بوضوح وراحة.
- قبول كلمة «لا» من الآخرين دون أخذها على محمل شخصي.
أمثلة على وضع الحدود الصحية
– قول «لا» دون اعتذار لأنها الخيار الأكثر صحة بالنسبة لك في تلك اللحظة.
– تقديم الدعم المالي للآخرين عندما يكون ذلك مناسبًا، ودون التسبب في ضرر مالي لنفسك.
– حضور الاجتماعات العائلية والاهتمام بأفراد أسرتك دون شعور بالذنب أو الالتزام المفرط.
سأكتفي بهذا القدر من الاقتباس وأعود لتماريني مع أسئلة الكاتبة، وقد تبدو فرصة جيدة لتأمل أحدها والاجابة عليه بأنفسكم: أي جوانب حياتك اليوم يحتاج إلى تعزيز أو وضع الحدود الشخصية؟ ضع قائمة بثلاثة جوانب، أو علاقات ترغب بإعادة تقييمها.
.
.
illustration by Bee Johnsson
.
.
شكرا على المراجعة
رائعة هيفاء🤍
شكراً هيفاء!
التدوينة بدون مجاملة نبهتني لمعنى الحدود، أول مرة أعرف المعنى الفعلي للحدود وأتفكر فيه، ولي تأمل وتصحيح لمساراتي تجاه الحدود الصحية بعد تدوينتك هذه بإذن الله.. نفع الله بك عزيزتي.
سبحان الله كنت في حديث مع نفسي هذا الصباح حين طرأت الفكرة من حيث لا أحتسب، “الحدود الشخصية”! كنت أتأمل في غياب المفهوم عن عناية واهتمام الكثير من الناس، وضع الحدود التي تحددك كفرد، واحترام هذه الحدود منك نفسك قبل الآخرين، اختياراتك ومبادئك وقواعدك وماتحب وتكره،،
الم تكن لتتلاشى الكثير من الخلافات وسوء الفهم والنزاعات الشخصية لو أن الوعي بمفهوم التزام الحدود الشخصية من الجميع كان كافياً! الأمر بهذه البساطة والعظمة في آن واحد.
تدوينة رائعة،
شكراً لطاقتك ومجهودك، أنتِ مُلهمة.
جزاكِ الله كل خير.. على نشر مثل هذه الفوائد ، استفدت الكثير ، كتب الله أجرك