قضيت وقت طويل من حياتي وأنا اتجاهل رغبتي في طلب المساعدة والاهتمام والحبّ متى احتجتها. لكنّ كل هذا تغير خلال السنوات القليلة الماضية، عندما بدأت إدراك أنّ الحبّ والاهتمام والمساعدة تُطلب أحيانًا. كانت المقاومة شديدة، كنت أفكّر في الكرامة والاحترام، والأشياء التي لا تستجدى، فانطوي على ذاتي وأنسى الموضوع. وهذه التراكمات تتحول لآلام وهواجس وتنفجر في وقت غير مناسب دائمًا. فالآخرين لا يفهمون ما يدور بداخلك ولا يقرؤون مشاعرك أو يتوقعون احتياجك بالحدس.
وأدركت أيضًا أن المحبّ والمهتمّ يرغب بتقديم المساعدة والتعبير عن مشاعره لكنّه يحتاج إلى خارطة طريق، أو دليل إرشادي لما يمكنه تقديمه. فكّرت كثيرًا في الدليل الإرشادي -الافتراضي- الذي أريد مشاركته مع الآخرين لكن قبل ذلك، أحتاج التعرف على تفاصيله أولًا. ما الذي احتاجه فعلا؟
لو كنت رضيع سأحتاج الاهتمام من والدتي، أن تطعمني، وتحملني، وتغير ملابسي، وتضعني في سريري للنوم. وعلى هذا المنوال ما الذي تحتاجه هيفا في عمر الثامنة والثلاثين؟ أريد وقتًا ثمينًا مع أحبتي، احترام مساحتي الخاصة، الاستماع، الثقة، السؤال عن الحال والتفقد، مشاركة الأفراح والدعم عند الضيق، الكلمة الطيبة، والدعاء. وهكذا بدأت كتابة قائمة طويلة أجمع فيها الأفعال والأقوال المحببة لديّ وما أتوقعه من الآخرين لكن القائمة لم ترَ النور. والسبب؟
كانت فكرة طلب الاهتمام والحبّ ترعبني! أضع في ذهني كل التفاصيل والمواقف واتراجع في اللحظة الأخيرة. لم اتخلص من هذا الرعب سواء مع أفراد العائلة المقربين أو الأصدقاء أو الدائرة الاجتماعية على اتساعها. واستمرت مشاعر الفوضى طويلًا.
كانت الفكرة الأقل رعبًا، والأشدّ أثرا هي: أن الآخرين لا يهتمون، لا يحبون، ولا ينظرون إليّ بنظرة الاهتمام التي أحتاجها. والحقيقة أن كل هذه أوهام تضخمت من قصة أو قصتين، من موقف مؤسف وبسيط اخترت أن أسكنه زاوية في قلبي.
لا أحد يحبّ شعور الرفض، ربما هذه الفكرة التي انتهي لها كلّ مرة. لكن في الوقت نفسه أذكر نفسي بأنها مساحة آمنة، هؤلاء والديّ الذين أتحدث معهم، أو اخوتي أو صديقاتي. الجلوس والحديث عن أمر مثل: أحتاج دعاؤكم، أحتاج تهنئة، أو حضن، أو وقت مستقطع تستريح فيه نفسي. احتجت إلى إيجاد صياغة مناسبة، ووقت مناسب. أن يأتي الطلب من زاوية محبة لا زاوية هجوم أو عتب.
لقد قرأت وتعلمت خلال السنوات الماضية أن العلاقات تتطلب الجهد والاهتمام ولكل شخص مفاتيحه وعلينا إيجاد هذه المفاتيح. وكلما اقترب الشخص منكم وزادت أهميته كلما كان إنجاح هذه العلاقة هدفًا أساسيا تعيشون لأجله. بمجرد مشاركة الآخر تفاصيل احتياجاتك منه أنت تخبره بالمقابل باستعدادك للقيام بالمثل: علمني كيف أحبك؟ علمني كيف اهتم بك وأساعدك بشكل أفضل؟
ومن جهة أخرى عندما تخبر الآخرين كيف يحبونك، ويهتمون بك سيكون ذلك بمثابة إعلان رسمي، وأداة لقياس صحة هذه العلاقة. إذا تحدثت عن مواضع احتياجك، ورغباتك وتمّ تجاهلها أكثر من مرّة قد يكون ذلك مؤشر واضح لانعدام الاحترام والاهتمام -وهذا موضوع آخر لا يتسع له المجال في هذه التدوينة.
لم أشارك الدليل الإرشادي -الافتراضي- مع كل الأشخاص الذين فكرت بهم، لكنني أتعلم تدريجيًا وآمنت بأنني استحق دائرة حميمة من المستعدين لتقديم الحبّ والاهتمام واستقباله بالمقابل بلا شروط. وأنتم أيضًا هذه دعوة لكم للتفكير في الأمر. للحديث عنه، والطلّب بوضوح، واحترام النتيجة كيفما كانت.
.
.
.
تدوينة جريئة يا هيفا
جميلة فكرة الدليل الإرشادي
فعلاً، صدقتي
دائما يكون العائق التفكير السلبي والأحكام المسبقة مثل شعوره بالرفض ومنها يبدأ بالحكم على ذلك ويؤدي إلى اعتزال الشخص.
لا مانع من مشاركة الحب ومشاركة الاهتمامات والكلمات اللطيفة يكون لها أثر للشخص نفسه قبل أن تكون للمتلقي لها👌🏻💘
حبيت الفكرة جريئة جدا و لو نفكر فيها بعقلانية رح تكون مثل الهم وانزاح .. خصوصا لم نعرف ان في اشخاص وجودهم في مساحتنا القريبة خطأ بحكم عدم الاهتمام حتى بعد ما عرفوا احتياجنا .. صحيح مؤلم في البداية ولكن رح يكون ايجابي ع المدى البعيد للنفس والذات .. واشخاص اخرين رح يقربوا اكثر لانهم مثلا يكونوا يحاولوا يساعدونا بس مو عارفين كيف فلم نقولهم عن احتياجنا رح يكون سهل عليهم التفاعل فيها ورح يصبحوا من الدائرة القريبة جدا وتتوطد العلاقة اكثر والنفس والروح هنا رح احس براحة بأنه فيه اهتمام ..
جميلة جدا تدوينتك وانتظر بحماس مواضيعك الجاية 😻♥️
جميل أن تتوصلي لمثل هذه القناعة، وقد اكتشفتها مثلك منذ زمن عندما بدأت أقارن سلوك الأشخاص الاندماجيين ذوي المشاعر الفياضة وكيف أنهم بإعلانهم للحب والتصريح بمشاعرهم تجاه الأحداث والأشخاص يكسبون عددا كبيرا من المحبين والمتفاعلين مع قضاياهم.
موفقة هيفا
أتفق معك، هيفاء.
وفكرة وجود دليل إرشاديّ ينتشل الواحد منّا من مستنقع الأفكار السلبية حين يخنقه شعور الحاجة- دون أن يحدّد بالضبط ما هذه الحاجة وكيف تُلَبّى.
لكن السؤال هُنا، كيف نتجاهل استحياءنا من البوْح بالوحدة؟ حين يصرخ شعورك الآنيُّ بأنّ روحك تفتقد مؤنسًا فقط ليكون هُنا، يسأل عنك بشكلٍ شبه يوميّ، ويستمع إليك وينتبه للتفاصيل التي تشاركها (وأنت بطبيعتك مُقنّ، لست تصدع رأسه بكل تفاصيل حياتك) بالقدر الذي تصغي به وتُعير كلّ أحاديثه الاهتمام الذي يُطلب؟
بالمناسبة، ذكرتِ الإستماع في قائمة الدليل الإرشادي. كيف نطلبه؟
شكرًا هيفاء، نحبّك ❤
ألف شكر .. تدوينة جميلة .. مليئة بما يجدر بنا التأمل به …
حبيت جدّا خاتمة التدوينة، وكأنها السبب في ” لماذا علينا أن نتحدث في هذا الموضوع الحساس؟”
لأن بحديثك عن احتياجاتك من هذه العلاقة راح توضح الصورة كاملة للطرف الآخر وعليه يكون تقييمك لاستمرار هذه العلاقة أو تلاشيها.
شكرًا هيفا.
صعبة صعبة جداً
صحيح لا عيب في طلب الاهتمام، تعلمت هذا مؤخراً بعد صراع طويل مع الذات وان الناس قد ينزل عليهم الهام رباني بما اريد وبما لا اريد
اختبار لغات الحب الخمس ساعدني على معرفة نفسي اكثر و اي طرق التعبير أُفضل و احس حلو نشارك الاختبار مع اللي حولنا عشان نعرف نتايجهم و نشارك نتيجتنا بأريحية و الكتاب على قائمتي في القراءة الكاتب له نشرة بريدية و بودكاست اشتركت بالنشرة البريدية و ناوية اسمع البودكاست بعد احس طرق التعبير عن الحب من الأشياء الصعبة في مجتمعنا و كلما زدنا وعينا و إداركنا في أنفسنا و اللي حولنا قلت صعوبة الموضوع
” وأدركت أيضًا أن المحبّ والمهتمّ يرغب بتقديم المساعدة والتعبير عن مشاعره لكنّه يحتاج إلى خارطة طريق”
خارطة واضحة حتى يصل و إلا سيضل الطريق ،،
الموضوع جميل
ربما الخيط الذي وجّهتي به الفكرة
كدت اختلف معه..
وعندما عدت لنفسي أدركت
أن ذلك يحصل كثيراً
عندما نتعرض لحادث سير
ولايتصل أحد للاطمئنان
نتساءل ونعاتب ونلوم
لاأدري أن كان هذا يصنف
ضمن طلب
الاهتمام
ربما أن للموضوع أكثر من وجة
فيختار الإنسان الزاوية التي تناسبه
جميل