هوَ

“Givenchy” by Brett Lloyd & Bryan McMahon
“Givenchy” by Brett Lloyd & Bryan McMahon

كان يُنصت.

ليس مجرد تظاهر بأنه يصغي، من منطلق الاتيكيت، وهو ينتظر، وقد نفد صبره، أن تنهي كلامها وتكفّ عن الثرثرة. لم يكن يخطف من محدثته الجملة من فمها ويكمّلها بدلا عنها بعد نفاد صبره. لم يُسكتها، ولم يقاطعها لكي يلخص أقوالها وينتقل إلى موضوع آخر. لم يكن يسمح لمتحدّثته أن تتكلم إلى الهواء وهو يحضّر أثناء ذلك ما سيرد عليها عندما ستتوقف أخيرا عن الكلام. لم يكن يتظاهر بأنّه مهتم أو مستمتع بل اهتمّ واستمع فعلا، هيا، ماذا. كان فضوليا لا يملّ ولا يتعب. لم يكن فارغ الصبر. لم يحاول في تحويل المحادثة من المواضيع البسيطة التي تثيرها إلى مواضيعه، المهمّة. بل على العكس، لقد أحبّ جداً جداً أحبّ مواضيعها. واستمتع دائما بانتظارها، حتى وإن أطالت كان ينتظرها وخلال ذلك يستمتع بكل التواءاتها. لم يستعجل، لم يُعجّل. كان ينتظرها حتى تنهي، وحتى عندما تنهي لم يكن يقفز ليخطف منها الكلام بل أحبّ أن يستمر في انتظارها: ربما ما زال عندها القليل بعد؟ ربما تأنّيها موجة أخرى؟ أحبّ أن يدعها تمسك بيده وأن تأخذه إلى أماكنها ووفق وتيرتها. أحبّ أن يرافقها مثلما يرافق النّاي الغناء. أحبّ أن يتعرف عليها. أحبّ أن يفهم. أن يعرف. أحبّ أن يدرك ما تعنيه وأن يفهم مرادها وأكثر قليلاً. أحبّ الاستسلام، كان يستمتع بالاستسلام أكثر مما تمتع باستسلامها.

اقتباس من قصة عن الحبّ والظلاملـ عاموس عوز.

هيَ

Édouard Boubat, Devant La fenêtre, France, 1978

عرفت الاصغاء وأن تسمع حتى ما بين الأسطر. لقد كان هو واسع الاطلاع جداً وكانت هي حادة البصر وحتى أحيانا حادة البصيرة. لقد كان هو رجلا مستقيماً، حريصاً، نزيهاً ومجتهداً، وكانت هي دائما تتأمل لتفهم لماذا من يتمسك بقوة برأي معين يتمسك به بالذات وليس برأي آخر، ولماذا من يعارض بحماس صاحب الرأي الأول يحتاج بقوة إلى أن يتمسك بالرأي المعاكس.

الملابس أثارت اهتمامها فقط كنافذة تطل منها إلى داخل لابسيها. عندما كانت تجلس في بيت معارفها كانت تتأمل وتتمعن بدقة مواد التنجيد، والستائر والكنبات، والتذكاريات الموزعة على عتبات النوافذ وألعاب الزينة التي على الرفوف، في حين ينغمس الآخرون في النقاش والجدال. وكأنها كلفت بمهمة تحريات. أسرار الناس كانت تشدها دائما، ولكن عند أحاديث القيل والقال كانت في الغالب تنصت بابتسامتها الخفيفة، ابتسامة مترددة إلى درجة تبدو معها كمن تريد أن تلغي نفسها، وتصمت. سكتت كثيراً جداً. ولكنها إن خرجت عن صمتها وتكلّمت عدة جمل لم تعد المحادثة إلى ما كانت عليه قبل أن تتكلّم.

اقتباس من قصة عن الحبّ والظلاملعاموس عوز

1900-1930

 

 

nicolaas-van-der-waay-2.

RecensieIkGeefOmJou1-e1414073213425.

b25280bdc40ce4b2d33bcd666f80c5ab.

H0046-L00404825

.

painting1

.Kerkgang_weesmeisjes

.

مجموعة لوحات للرسام الهولندي نيكولاس فان در واي الذي عاش بين ١٨٥٥١٩٣٦م، موضوع هذه اللوحات كما تشاهدون مجموعة من فتيات دار للايتام في أمستردام الهولندية. شاهدت اللوحة الأخيرة أولاً ولفتت انتباهي الانطباعات على وجوه الفتيات. التقاط الحركة والسكون والتفاصيل الدقيقة المذهلة. ثم بحثت عن الرسام ووجدت مجموعة لوحات في نفس الموضوع. ليست مقتصرة على التي ادرجتها هنا بالطبع لكن هذه التي كانت بجودة عالية في محرك بحث غووغل واضفتها لتشاركونني المتعة.

 

ڤيڤيان ماير: سيدة الحيوات المتعددة

أنت محظوظ إذا كانت عينك تلتقط الكنوز بسهولة. إذا كان وقودك فضولك. وطبعاً إذا صادفت في ٢٠٠٧م مزاد على مجموعة صناديق منسية في وحدة تخزين بشيكاغو الأمريكية.

جون معلوف حظه كبير، نعم. لأنه وبينما كان يمارس هوايته الأثيرة -حضور المزادات والبحث عن كنوزها- وجد مجموعة صناديق تحتوي على الآلاف من الصور والأفلام الغير مظهّّرة. لمن تعود هذه الصناديق؟ لسيدة اسمها ڤيڤيان ماير. وفوراً بحث جون عن اسمها في محركات البحث ولم تعد إليه أي نتيجة مفيدة. هل تجربون ذلك الآن وتخبروني أين يوصلكم البحث؟

من هي ڤيڤيان؟

نحن ممتنون طبعاً لجهود البحث وفضول جون معلوف الكبير الذي دفعه لجمع كلّ ما يمكن معرفته عن هذه السيدة. ويمكن اختصاره في السطور القليلة القادمة.

ڤيڤيان دوروثيا ماير ولدت في نيويورك في العام ١٩٢٦م وتوفيت في شيكاغو عام ٢٠٠٩م-هذا يعني أن الصور اكتشفت قبل وفاتها-. تعرفها المواقع الإلكترونية اليوم بأنها “مصورة شارع-Street Photographer” أمريكية. قضت معظم سنوات حياتها الأولى في فرنسا. وبعد عودتها للولايات المتحدة الأمريكية في أربعينات القرن الماضي بدأت رحلة أربعين عاما من العمل كمربية أطفال ومساعدة منزلية. قضت سنوات عملها بين شيكاغو، نيويورك، لوس أنجليس وسافرت حول العالم وزارت آسيا وأمريكا الجنوبية، اليمن، مصر وغيرها. التقطت حوالي ١٥٠ ألف صورة للناس والمباني والشوارع الأمريكية.

لم تُكتشف أعمال ماير حتى وفاتها وذلك بعد عثور جون معلوف على صناديقها ونشره للصور في مدونة الكترونية خاصة. ثمّ تبع ذلك حملة اهتمام كبيرة نقلت أعمالها حول العالم وأقامت المعارض الخاصة لذلك.

vlcsnap-2014-11-16-21h41m43s211

النقطة المهمة التي يجب ألا تغيب عن ذهنكم: ڤيڤيان خبأت كل أعمالها في صناديق وحافظت على سرية هوايتها، على الرغم من أن أفراد جميع الأسر التي عملت لديها ماير كانوا يتذكرون تفاصيل حملها للكاميرا وتصوير حياة الشارع الأمريكي كلما سمحت لها الفرصة بذلك.

متابعة قراءة ڤيڤيان ماير: سيدة الحيوات المتعددة

يد واحدة تكفي أحياناً.

تعرّضت كفي اليسرى لحرق من الدرجة الثانية قبل أسبوعين تقريباً. لم أدرك فداحة الحريق فوراً. قمت بإسعاف نفسي على وجه السرعة ثم بدأت بصنع الضمادات المنزلية واستخدمت كريمات موضعية للحرائق ومضادات حيوية. تطور الأمر خلال 48 ساعة وبدأت أصابعي بالانتفاخ، ولم أعد قادرة على ثنيها بشكل طبيعي. هل ذهبت للمستشفى؟ لا طبعاً. واصلت العلاج المنزلي واتبعت نصيحتي التي أكررها دائما: لا تتخلص من الفقاعات التي تنتفخ على الجلد سواء كانت ناتجة من حريق أو احتكاك الحذاء. كانت نصيحة عشوائية لكنني وبعد قراءة المزيد حول الموضوع اكتشفت بأنها ضمادة طبيعية من الجسم تحمي الجلد تحتها وتمتلئ بمواد معالجة. ما إن تتخلصوا منها تصبح المنطقة المصابة التي لم تلتئم بعد معرضة للهواء والجراثيم ومشكلات أخرى. كنت استيقظ ليلاً فزعة إذ كانت حرارة الإصابة تجتاحني كل حين وكأنها حدثت للمرة الأولى. كأنني أمرر كفي على لهب مستمر. نصيحتي الأولى والأهم: تعلموا الكتابة بيدكم الأخرى، يد بديلة، يد مساعدة. بقيت يدي ملفوفة لأسبوع وأكثر. كنت اطهو الطعام، أقطع الخضروات، اقرأ الكتب، أتصفح الإنترنت واكتب الرسائل النصية –وأسجلها صوتياً- للأهل والأصدقاء، خرجت للتسوق، رتبت غرفتي. كل ذلك بيدّ واحدة. وبدأت تأمل نعمة اليدين وتذكرت من جديد عملية استخراج إبرة الخياطة من قدمي قبل عدة سنوات والأسبوعين المريرة التي أمضيتها بلا مشي، بالقفز على قدم واحدة، واستخدام العكاز. لم تكن المشكلة في استخدام يدي في كلّ شيء، لم يصبني تغيير الضمادات بالملل، ولم أتململ من انتظار شفاءها. لكنّني احتجت بشدة للكتابة بالقلم وأصابعي التي تمسكه معطوبة. وفكرت لو أن يدي اليمنى تتقن الكتابة كما أتقنت القصّ والتلوين وكلّ الأعمال الدقيقة الأخرى. أنا بخير الآن، يدي تتحرك بحرية، والجرح في طريقة للشفاء. وأقاوم بشدة العبث بالجرح فهذا ما فعلته في سنّ مبكرة وأدفع ثمنه اليوم بندوبي الكثيرة!

كيف قضيت الأسابيع الماضية؟

  • تخلصت من الـ Jet –lag بعد رحلة نيويورك.
  • الكثير من الاسترخاء وبعيداً عن شاشات الأجهزة الإلكترونية. أنشطة بدينة وتأمل وتمرينات تنفس.
  • أفكر في كتابة تدوينة عن التغييرات الجذرية التي بدأت بها في مايو الماضي على الصعيد الصحّي بجانبيه النفسي والجسدي.
  • عائلتي تبحث عن سكن في العاصمة، وأنا الآن أبحث عن عمل.
  • انتهيت من كتاب “Contagious” لبيرغر وسأفرد له حلقة البودكاست القادمة بالكامل.
  • اطلعت على الأسئلة الجميلة التي وصلتني على بريدي وسأجيب عليها بإذن الله.
  • بدأت بقراءة مذكرات آن فرانك مع أختي الصغرى وحتى الآن مشوّقة، وهنا تدوينة أحبها كثيراً كتبت فيها سهام مراجعة عنها.
  • شاهدت سلسلة وثائقية من بي بي إس “Great Estates of Scotland” تستعرض مساكن تاريخية في إسكتلندا. من يسكنها حالياً؟ ولمحة عنها في الماضي والحاضر ومستقبلها كذلك. أحببت أنّ الوثائقي مختصر لكنه شامل وستجدون روابط لتحميله بواسطة التورنت الحلقة 1،2،3،4 .
  • كرست وقت فراغي مع أختي لمشاهدة الوثائقيات –الكثير منها- . اخترت ذات يوم مشاهدة هذا الوثائقي عن النازيين الجدد، وتبعه مشاهدة وثائقي عن متطرفي اليهود. عرض فكرة التطرف على الجهتين تماماً وشرحت مفاهيم كثيرة مناسبة لعمر الثانية عشرة.
  • شاهدت وثائقيات مهمة عن التغذية والصحة وقد أفرد لها تدوينات خاصة اذا سمح الوقت وهي بلا ترتيب: Fed UpHungry for ChangeFat Sick and Nearly Dead.
  • انتهيت من قراءة عدة كتب بعد جوع قرائي طويل، أحببت منها “حماقات بروكلين” لبول أوستر، ربما هذه الرواية هي مفضلتي الجديدة ضمن أعماله التي اطلعت عليها، بها روح نيويورك الكوزموبوليتانية وشخصياتها الملونة، كثير من فنّ وكتب وصراعات ومناجاة للذات. وفوق هذا الترجمة كانت جيدة جداً. هنا مراجعة مختصرة ولطيفة عنها. الشتاء يقترب وهو موسم قراءة السير الذاتية وكتب المعرفة العامة. سأشارككم اختياراتي عندما انتهي منها.
  • قرأت “مورفين” لميخائيل بولغاكوف والتي تقاطعت مع حياة مؤلفها بصورة غريبة وذكرتني بكثير من تفاصيلها بالمسلسل الذي تابعته مؤخراً “The Knick“.
  • انتهيت من قراءة “البحث عن فلسطين” لنجلاء سعيد، بورتريه لطيف عنها وعن أسرتها المميزة. صراعها من أجل إيجاد هوية حقيقية ووصولها إلى حالة توازن. أحببت التعرف على إدوارد سعيد بعين ابنته بعيداً عن ما يكتبه عن نفسه وعن صورة المفكر الشهير. واكتشفت أننا نتشارك في حبّ راديو نيويورك الكلاسيكي والفول السوداني من شركة بلانترز!
  • تابعت مسلسل Bates Motel وانتهيت من موسمه الأول وتبقى ثلاث حلقات من الثاني الأحدث. مسلسل غرائبي بامتياز ويلعب على الأعصاب. أحاول كثيرا تجاهل فكرة الالتزام بمتابعة المسلسلات لكنني أفشل وأجد نفسي مندمجة بها كثيراً وبعيدة عن القراءة والمهامّ الأخرى.
  • أقاوم نوبات الكسل الضارية والاشتياق لأخوتي بصعوبة، أفشل كثيراً ولكنني لا أيأس. شكراً للصديقات ولعائلتي المتفهمة برغم كلّ شيء.
  • تُكمل مدونتي هذا الشهر: سبع سنوات. سبع سنوات من حبّ التدوين والحفاظ على هدف واحد: التحرر بالكتابة والتنفس ومشاركة المعرفة والمتعة التي احصدها من هذا الكون العظيم معكُم. احتفاء بالسنة السابعة سأحاول تكثيف تواجدي هنا ما استطعت، وشكراً لمتابعتكم الدائمة يا أصدقاء : )