(أ)
اقضي الكثير من وقتي في الطبخ، مؤخراً لاحظت ذلك. وأفعله بشغف واهتمام. مفضلتي تنمو بمواقع الوصفات وأفضل البدائل في غياب المكونات من السوق. أحبّ تحليل مراحل حياتي واهتماماتي المؤقتة لم انتظر أن يفعلها أحد بالنيابة عني. في الطهي اليومي أجد نتائج حاسمة وواضحة، إذا أخفقت في مكوّن تدمر الطبق كلّه. في وجوه المتذوقين أشاهد حصيلة عمل ساعات. ينتفخ كاحلي ويؤلمني لكنني أفعل ذلك بحبّ شديد، لا اطهو الطعام لشخص لا يحبّه، أو ينتقي كثيراً ويتذمر كلما وُضع طبق أمامه، يستبعد الخضرة، ويتبعها بتفكيك الهرم الغذائي أمامي. مثل هذا الشخص لا أدري في الحقيقة ما يعجبه في الحياة؟ متى يشكر الله مثلاً أنه لا يتمدد على رصيف ما ينشد قطعة خبز يابسة. ولا أشغل تفكيري ولا وقتي بإجباره على أكل ما أعدّ. اتصال لمطعم للوجبات السريعة سيمنحه الكثير من الحبور!
أجرّب وصفات في أكثر من نوع من الأكل، حتى لنفسي، مذاقات جديدة لم أجرب المزج بينها وكانت النتيجة مذهلة. انشغل عن كثير من الأمور التي وضعت لها الوقت. أنام جيداً، أعمل بجدّ أكبر. وأركض بلا توقف. عندما نصل لنهاية الأسبوع أكون بحاجة للصمت أكثر من أي شيء آخر. كنت فقدت شهيتي للقراءة والكتابة أصبحت مثل حلم يزورني، استرجع مقاطع كتبتها وأحببتها، أتصفح أرشيف المدونة وتنعشني قدرتي على صنع كل هذا. ما زال هناك حبر، لكنه للأسف يشعر بالنّعاس. هل هو التقدم في السنّ؟ هل كانت الكتابة فعلاً قدري والمشروع الذي يجب أن أكرس عمري له؟ لا أعلم. لكنني متأكدة من شيء واحد، أنني أفعل كلّ شيء بحبّ. لا اجبر نفسي على إنهاء كتاب ممل لإضافة رقم أو غلاف لحصيلتي، لا أخرج من المنزل بلا حاجة، وأعتذر كثيراً عن أي شيء سأفعله مكرهه.
(ب)
استيقظ صباحاً وشعري يعلوه الريش، كنت أتساءل عن المكان الذي يأتي منه، واكتشفت أنّ غياب الشغف امتد لتغيير لحافي، استخدم حشوة اللحاف بلا غطاء والنتيجة الريش يتسلل منها لرأسي. تذكرت أسماء الهنود الحمر، ووجدت لنفسي اسما جديدا : الريش في شعره!
(ج)
كلما نزفت لثّتي تذكرت الإسقربوط – كتبت عنه أكثر من مره وعن فزعي- الحلّ الوحيد لهذا الهلع تناول المزيد من البرتقال والحمضيات عموماً. وهكذا فعلت وأسعدتني النتيجة. كلّ يوم لحظات رعب قصيرة قبل البدء بتنظيف أسناني. يقولون بأن نقص الفيتامينات مسبب أيضاً، لكنني توقفت عن تعاطيها بسبب تراكمات صحية من بينها انفراط عقد شهيتي والتهامي لكل شيء أضع يدي عليه. توقفت من يناير تقريباً عن تناول المكملات الغذائية وأشعر الآن بأن شهيتي استعادت توازنها.
(د)
تعرفون زوايا بيتكم جيداً؟
تحفظون روتين أيامكم؟ هناك تفاصيل لطيفة ومضحكة التفت لها، مثلاً الوقت اللازم لتناول فنجان القهوة بعد الغداء. أضع أطباقي في الحوض، والمساعدة المنزلية تنهي بعض المهام وتغسل الأطباق أطلب منها إعداد قهوتي وإحضارها لغرفتي، اصعد وانتظر. بينما تنتهي من التنظيف وترتيب المكان بعد الغداء تكون معدتي مستعدة لفنجان القهوة. وهذا المقياس لا يخيب.
تفاصيل البيت؟
لدينا سلة مهملات في كلّ زاوية تقريباً ربما عدد السلال أكثر من عددنا في المنزل! وفي كل سلة نوعية معينة من المواد. في غرفة الجلوس حيث تجلس والدتي قصاصات أقمشه، أوراق وخيوط صغيرة. حيث يجلس والدي قشور فواكه، أوراق صغيرة بها أرقام هواتف وقوائم تسوق، وأحيانا علب أدوية فارغة. في زاوية غرفة جلوس الضيوف لن تجدوا سوى قطع بخور متفحمة. وفي زاوية أخرى: لا شيء، وعلى سبيل المرح أحيانا أترك قشرة موز في سلة والدتي، أو مجموعة كبيرة من الأوراق والمجلات في سلة غرفة الضيوف. يبدو شكلها غريباً ومربكاً.
(هـ)
ماذا بعد؟
توقفت حلقات الپودكاست بسبب غياب الحبّ، لدي الكثير لقوله وإعداده لكنني لا أجد الحب والاهتمام اللازم لإنجاز الحلقات. أفكر في إعداد أربع أو خمس حلقات عن التخطيط للسفر والإجازة، خصوصاً وإنني أفعل ذات الشيء حالياً وسيكون جيداً الاستماع لاقتراحاتكم حول الموضوع بعد التحدث عن تجربتي.
أبحث فكرة لحلقات جديدة خلال رمضان قد تكون مفاجئة وممتعة. وكل هذا يعتمد على طاقتي والأفكار المتوفرة.
ماذا بعد لوثة الطهي؟
عاودتني شهية القراءة قبل أسبوع تقريباً، تأكدت من ذلك بعد استعادة سرعتي المعتادة ونشاطي في الانتهاء من كتاب. ما زالت هذه السنة سنة الكتّاب الروس، اقرأ لدوستويفسكي رواية “الأبلة” على مهل، وبدأت في أعمال كافكا الكاملة بكتاب يجمع مقالات وآراء حوله.
سأحاول كتابة تدوينات بلا ميعاد، كهذه التي أنجزتها قبل قليل.
تعجبني طريقة وروتين حياتك اليومية ونظرتك الإيجابية لها
أنا متابع لحلقات البودكاست (قصاصات) وقد استفدت منه كثيراً
وأتمنى استمرارها
نفس عميق بعد قراءة متتابعة لتدويناتك الأخيرة ..
جمال ممتد ، و روح آسرة..
أدام الله السطور و أثرى القريحة .. وأذكى الشغف.
نتابع بحب صامت دائماً يا هيفاء