وجدت في نفسي مؤخراً ولعاً بالتصوير والمصورين خصوصاً الأعمال المقدّمة في النصف الأول من القرن الماضي. وأجد نفسي ابحث دائماً في ما يسمى “فوتوغرافيا الشارع– Street Photography” وأحاول بعدة طرق تطوير معرفتي وربما خوض تجربتي الخاصة قريباً في نفس المجال. بداية من هذه التدوينة سأشارككم بالصور والمصورين الذين لفتوا انتباهي وأصبحت أفكارهم في مستودع الإلهام. قد أشير كذلك إلى كتب معيّنة ومعارض شاهدتها أو سأشاهدها مستقبلاً.
قبل عدة أيام صادفت مجموعة من الصور تحت مسمّى “سيقان راكضة” للمصورة الأمريكية النمساوية المولد ليسيت مودل Lisette Model. بحثت أكثر عن المصوّرة وحياتها وأعمالها ووُلدت هذه التدوينة.
ولدت إليز فيلك آميلي شتيرن في فيينا، في العام 1901م. والدها طبيب ايطالي/نمساوي من أصول يهودية أما والدتها فهي فرنسية كاثوليكية وعُمّدت مودل على دين والدتها. بعد سنتين من ميلادها غيّر والداها اسم عائلتهم إلى شيبرت.
تلقّت مودل تعليمها على يد عدد من المدرسين الخصوصيين وأتقنت ثلاث لغات. بعمر التاسعة عشرة بدأت دراسة الموسيقى مع المؤلف وعازف البيانو آرنولد شونبرغ وارتبطت بحلقة أصدقاءه الخاصة. تقول عنه “لو كنت سأختار أكثر المعلمين تأثيراً على حياتي فسيكون شونبرغ”. لكنّ مودل تركت الموسيقى في 1933م وتوجهت للتصوير والرسم. غادرت فيينا بعد وفاة والدها إلى باريس لدراسة صوت مغنية السوبرانو ماريا فرويند والتقت في تلك الفترة بزوجها المستقبلي الرسام اليهودي إفزا مودل. درست ليسيت عند الرسام والنحات الفرنسي أندري لوت. كما بدأت دروسها في التصوير بتعليمات بسيطة وتقنيات لتظهير الأفلام من أختها الصغرى أولغا شيبرت – وهي مصوّرة كذلك- . كما تذكر المصادر أنّها درست التصوير بالأساس مع المصور الباريسي روجي أندري.
في العام 1934م زارت مودل والدتها في نيس الفرنسية – حيث استقرت هي وأختها أولغا- ، حملت معها في تلك الرحلة الكاميرا والتقطت صور مجموعتها “Promenade des anglais” التي اشتملت على صور بورتريه عن قرب للسياح المحليين. كانت صور أولئك الأغنياء ساخرة تفضح وحدتهم وقلقهم. نُشرت تلك المجموعة لاحقاً في الدورية الفرنسية الشيوعية “Regards”.
تزوجت ليسيت من إفزا مودل في العام 1937م وهاجرت معه في العام التالي إلى نيويورك الأمريكية هرباً من اضطرابات أوروبا السياسية. وهناك انضمت إلى رابطة مصوري نيويورك ودرست مع سيد غروسمان –مصور أمريكي ومعلم وناشط اشتراكي- . هناك عملت في الجريدة اليسارية “PM” والتي يُعتقد أنّ اسمها مرتبط بموعد صدورها المسائي. عملت مودل في معمل تظهير الصور ثمّ أصبحت مصورة للجريدة.
بحلول العام 1940م كانت صورها معروضة في متحف الفنّ المعاصر MoMa”” وتعمل في مجلة هاربر بازار. تحت اشراف المدير الفنّي للمجلة آنذاك اليكسي برودوفيتش، التقطت مودل صوراً غير تقليدية للنوادي الليلية بنيويورك وواصلت تجاربها في التصوير. عملت هناك حتى انتقلت للعمل كمدرّسة للتصوير في المدرسة الجديدة “The New School” وذلك في العام 1951م وحتى 1954م ثم من العام 1958م وحتى وفاتها. من أشهر من تعلم لديها المصورة ديان آربس صاحبة صورة التوأم الشهيرة التي ألهمت ستانلي كوبرك في فيلم The Shining.
حصلت مودل على منحة غوغنهايم في 1965م ومنحة أخرى من “CAPS- برنامج الفنانين المبدعين لخدمة المجتمع” في العام 1967م. عُرضت مجموعات من صورها في متحف سميثسونيان الوطني وجورج ايستمان هاوس.
لصور مودل خصائص عامة يمكن أن أوجزها في التالي: عنيفة ولها صبغة كابوسية أحيانا بسبب ارتجاجها وانعدام الألوان فيها. في الصور مشاعر قهر واختناق وكأنها التقطت من قبل شخص اختل توازنه بشكل مفاجئ على حافة الرصيف أو تعثّر بشخص عابر. كما أنها تفضل دائماً طباعتها بأحجام ضخمة مقارنة بالمصورين الآخرين (16×20 بوصة). صورها لا تدّعي الكمال والفنية ولذلك هي مذهلة ومحببة!
بالنسبة لمجموعتها التي لفتت انتباهي اعتمدت فيها التقاط الصور من زاوية منخفضة، تركز على أجساد المارّة من الخصر لأسفل، ولها مظهر مضطرب نتج من سرعة التقاط الصورة وحركتها هي والهدف. هذه السرعة تلتقط عجلة وول ستريت وساعات الذروة النيويوركية على الجادة الخامسة وغيرها. كما يظهر تأثرها بتعليمها الموسيقي بطريقة خاصة.
تقول مودل “لا تلتقطوا صورة لشيء لا يثير شغفكم، أبداً” وتتحدث عن التصوير العفوي الخاطف Snapshot وتقول “أحبّ اللقطات الخاطفة لأنها الأقرب إلى الحقيقة من بين كلّ الصور. في اللقطات الخاطفة علّة واضحة ونقص، ومن هنا تأتي فتنتها”.
عندما سألها المصور الأمريكي إدوارد وستون عن سرّ التأثيرات التي تظهر على صورها أخبرته بأنها تأخذ أفلامها للتظهير في متجر/صيدلية على ركن الشارع. جوابها السّاخر وصورها المضطربة وانعدام التركيز فيها، كل هذا يجتمع فيعكس تجاهلها للقواعد الفنية واحتقارها للعالم كما كانت تعرفه.
توفيت مودل في 1983م بسبب أزمة قلبية.
عفوية الصور هو ما يشدني دائمًا، لكن في عصرنا و انتشار التصوير اختفت العفوية في اغلب الصور حيث برز جمالية المنظر على حساب الفكرة.
الصور في التدوينة بها احساس عميق! عندما شاهدتها احسست بانقباض قلبي لا اعلم لما؟!
حديثك عن التصوير بشغف يجعلني اتسأل أين اختفى حسابك بالفليكر؟
كنت سعيدة بمشروعك ٣٦٠ صورة لعام ٢٠١١، فهل ستكرر التجربة
بالهامش.. باخر تدوينتين اختلف اسلوبك، ماذا حدث لكِ ( :
مرحبا نورة،
تخيلي ساعات وساعات من تأمل صور كهذه. موضوع حمسني على سلسلة التدوين هذه.
حساب فليكر اقفلته بسبب مشاكل تقنية ورغبتي بإضافة مزيد من الصور التي حفظتها من رحلة أمريكا، قريباً إن شاء الله سأعيد فتحه فهو موجود ولكن متخفي : )
أثار فضولي سؤالك عن الأسلوب، من أي ناحية تقصدين؟ يهمني أعرف.
لا اعلم بالضبط كيف اصفه لكن ما اعلمه أن في التدوينة السابقة شعرت بالخوف و الحماسة و عندما انهيت قراءتها دمعت عيناي، و في هذه التدوينة كما كتبت اعلاه شعرت بانقباض قلبي!
وهذا الأمر لا يحدث لي الا مع كاتبين فقط.
انا أحب اسلوبك فهو جميل ، و لكن في هذه التدوينتين ليس جميل و حسب بل حي!
لم يكتب الموضوع فقط بل نقل الاحساس.
حقيقة لا اعرف كيف اصفه لكنه مؤثر بشكل لا ينتهي عند القراءة.
هذا انطباعي. لا اعلم ما إذا كان حقيقي أو لا، فأنتِ من كتب.
فهل تجدين أنه تغير؟
الحمد لله!
خلال الأشهر الماضية وبسبب عملي على ترجمة رواية لاحظت أن اسلوبي تحسن كثير، لأنني حرصت خلال الترجمة على التحقق من قواعد اللغة واستخدام مفردات جديدة عليّ. منذ انتهائي منها وأنا الاحظ تغيري حتى في كتابة رسائل البريد الالكتروني!
شيء آخر، أصبحت أعمل على التدوينة لوقت أطول، يوم كامل مثلا بدلا من ساعات ودقائق.
اسعدني اهتمامك وملاحظتك وأتمنى أن انتقل من أحسن لأحسن.
صباحك سعيد
عندنا نقرأ لهيفا لا اعرف لماذا يصر شريط ذكريات الطفولة ان يأخذ وضعية snapshot ؟ هل هذا سبب انقباض قلبك نورة؟؟
اعجبتني الالتقاطة : )