عندما وصل نابليون الثالث للحكم في فرنسا 1851م أُجبِر فيكتور هوغو على مغادرة البلاد منفياً إلى جزيرة إنجليزية “جيرنزي” المطلة على ساحل نورماندي. عاش هناك لخمسة عشر عاماً مع أسرته وكتب بعض أفضل أعماله من بينها ثلاث مجموعات شعرية ورواية البؤساء. بعد وصوله للجزيرة بوقت قصير اشترى هوغو بيت “هوتفيل” الذي اعتقد السكان المحليون بأنّه مسكون بروح امرأة ماتت منتحرة، وبدأ فوراً إصلاحاته والصيانة. من أهم هذه الإصلاحات تحويل سقف وواجهة إحدى الغرف إلى الزجاج بالكامل لتصبح مثل الدفيئة الزجاجية إنما مجهزة بالأثاث. هذا الموقع كان الأعلى في الجزيرة بمنظر بانورامي يطل على القنال الإنجليزي، وفي أيام الصحو يمكن لهوغو رؤية ساحل فرنسا من النافذة. هناك كان يكتب كل صباح واقفاً، أمام مرآة.
يستيقظ هوغو فجراً على صوت المدفع في قلعة قريبة، يشرب القهوة المعدة للتوّ ويقرأ رسالة عشيقته جولييت درويت الصباحية. جولييت اسكنها هوغو على بعد تسعة أبواب من بيته. بعد قراءة رسالة محبوبته “جوجو” يبتلع الروائي الشهير بيضتين نيئتين، ويغلق على نفسه الباب في غرفته الزجاجية ليكتب حتى الحادية عشرة صباحاً. يخرج بعدها للسطح ليستحم من حوض بُرّد فيه الماء في الليلة السابقة، يغمر نفسه بالماء المتجمد ويدلك جسمه بقفاز من شعر الحصان. يمكن للعابرين رؤيته من الشارع، ويمكن لجوجو رؤيته من نافذتها!
عند الظهر ينزل فيكتور هوغو للطابق السفلي ليتناول الغداء. كان يرحب بكل زواره، الكتّاب والصحفيين وغيرهم. عندما تدق الساعة الثانية عشرة ظهراً يظهر في قبعة من الجوخ الرمادي وقفازات صوفية، يبدو وكأنه مزارع متأنق. كان كريماً مضيافاً، الكل يأكل بشهية على مائدته بينما يتناول القليل. بعدها يذهب في رحلة ساعتين من المشي ويتمرن عند الشاطئ. لاحقاً، يذهب للحلاق وهناك يحتفظ هوغو بقصاصات شعره لسبب مجهول. ثم يخرج في نزهة بالعربة مع جولييت، يعود للمنزل ليكتب المزيد، أو يستغل فترة ما بعد الظهر في الرد على أكداس الرسائل التي تصله يومياً.
عندما تغرب الشمس يقضي بقية يومه مبتهجاً في بيت جولييت بصحبة الأصدقاء، الكثير من المحادثات ولعب الورق أو يقضيه مكتئباً في المنزل. في عشاءات المنزل يتحدث هوغو في الفلسفة ويتوقف قليلاً ليتحقق من أنّ زوجته لم تغفو، أو يكتب في مفكرته الصغيرة التي يحملها في كلّ مكان.
يصف ابنه تشارلز المنظر: “ما إن يجلس للمائدة ويتحدث عن أي شيء قليلاً كأن يقول مرر لي الشراب، حتى يلتفت ويخرج دفتره الصغير ويبدأ بتدوين الأفكار، لا شيء يضيع، كلّ شيء ينتهي للطباعة.”