–١–
في محلّ صغير للسبح والاكسسوارت الملونة وقفت أنا وإبنة عمي التي تصغرني لنسأل عن مكان مقهى ستاربكس، ليست قهوتي المفضلة، لكنّها الشهية والرفقة التي تحكم أحياناً، مذهولاً من السؤال أعاد الجملة إلينا وبنطق مرتبك، وفهمنا فوراً أنّه لا يعرف ما سألناه عنه. بينما نحن نبحث عن مخرج، بعد أنا قطعنا عدة بنايات حول الحرم المكّي، وعبرنا المواقف المظلمة واجتزنا أعمال البناء، كنا نبحث عن مخرج، حتى تكلم من خلفنا رجل ضخم، شجرة بهيئة بشر، وصوته كان مناسباً تماماً لحجمه، قال بصوت جهور: تعالوا! وهكذا انطلقنا خلفه مهرولين – بسبب خطوته الطويلة طبعاً– ومن مصعد لآخر تنقلنا بين الادوار والمباني، ولوهلة التفتّ نحوها وقلت: ماذا لو كانت هذه عملية اختطاف، هل ترين ما يحدث؟ رجل غريب يقول تعالوا ونتبعه منوّمين! ولكن كان الوقت قد فات لمثل هذه التساؤلات، دخلنا معه المصعد الثالث في الرحلة وقال: اضغوا على الزر P1 وستجدون المقهى أمامكم، شكراً .. شكراً .. عفواً، وغاب الرجل الضخم بربطة العنق الانيقة، وبينما تبادلنا النظرات سريعاً فُتح الباب، وكان هناك مقهى ستاربكس ضخم، ومجمع تجاري ممتد بمتاجر عالمية، ستنسى لوهلة بأنك في مكة المكرمة، هذا رؤيتي، لا أريد أن أخبركم –خجلاً منكم– متى كانت المرة الأخيرة التي زرت بها المدينة المقدسة. تغيرت مكة كثيراً، وبينما كنت أحاول التقاط صورة بانورامية للحرم وقفت خلفه رافعات البناء وكأنها وحوش مفترسة، تعلو وتهبط لتلتهم قطعة من الأرض، منظر الاصلاحات مرعب، ومزعج في نفس الوقت، لكن هل تعتقدون أنّ المعتمرين والزوار يتوقفون للحظة للالتفات لهذه الاصلاحات؟ لا أعتقد، حركة دؤوبه، الكل يبحث عن شيء أضاعه، وأنا معهم، أشعر بأن الشهور القليلة الماضية كومة من الفوضى، وهذه الرحلة المفاجئة لمكة جاءت لتغسل قلبي وتربتّ على كتفي، لا أقول أنني الآن وبعد عودتي للمنزل عدت للترتيب تماماً، لكنني على الطريق.
–٢–
قبل مكة، كنت في الرياض في الفترة ما بين ٣١ يناير– ٨ فبراير، حضرت المؤتمر الثالث للتعليم الالكتروني والتعلم عن بعد، كان الهدف الأساسي من هذه الرحلة إلى جانب حضور المؤتمر، الحصول على وقت لنفسي، منذ سفر أخوتي مع مطلع العام، لم اترك المنزل لأكثر من يوم، لم أجرب أشياء جديدة، ولا شيء مهمّ يذكر! عندما ترى نفسك جزء من منظومة أي منظومة، ثمّ تُقتطع خارجها اضطرارياً يصيبك الدوار، أيضاً في هذا الفصل لم أعمل في التدريس، في محاولة لانجاز رسالتي ومساعدتي في ذلك، لم يُجددّ العقد مع الكلية التي عملت بها الفصل الماضي، جيد؟ ربما، الحقيقة أنني أفتقد وقوفي الطويل، نبرة صوتي المبحوحة من الكلام، ونعم .. تكرار المحاضرة لست مرات اسبوعياً. هذا الفاصل الاضطراري سيجهزني لأشياء وتغييرات لم يكن لي يدّ فيها، ومن هنا أيضاً تذكرت الايام قبل العام الجديد عندما قلت: هذا العام لن أضع خطة، لن اكتب تصورات، ولن أحدد وقتاً لأيّ شيء. الدليل على ذلك أنّ آخر تدوينة هنا كانت قبل شهر –تقريباً– . حسناً المؤتمر، حضور هذا العام كان مميزاً، هناك ستيف وزنياك الرفيق الاثير لستيف جوبز، الرجل المدهش الذي كلما ظننتم أنكم عرفتم كلّ شيء عنه، ظهر المزيد. السبب في حضور المؤتمر كان ستيف، وأعتقد أن المنظمين يعرفون ذلك، كانت الجلسة الأولى من المؤتمر محجوزه له، تكلم بكل عفوية وتواضع، وأجاب على الاسئلة – ما فهمه منها– وهذا يذكرني بنقطة أثارت حنقي خلال المؤتمر، كانت الترجمة الفورية متوفرة على الجانبين –انجليزي وعربي– لكنّ البعض يصرّ بانجليزيته الركيكة في طرح الأسئلة وأخذ وقت طويل لشرح تفاصيل السؤال، وقت أطول مما ينبغي، وينتهي مدير الجلسة بالتأكيد على: يوجد ترجمة بالعربي، اطرحوا الاسئلة بالعربي! هناك أيضا سلمان خان وأكاديميته الرائعة، كانت جلسته تحقيقاً لفكرة التعلم عن بعد، إذ تمّ الاتصال به عبر الاقمار الصناعية وهو في أوريغون– الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يستعد لإنهاء يومه، نجلس بحماسه محقونين بالكافيين. تفاصيل المؤتمر تجدونها على الموقع هنا، وفي تويتر على هاشتاق (#ELI3) وهناك حساب للمؤتمر على تويتر (@NCEL_SA) سألتني إحدى المنظمات خلال وضعها لتقرير عن المؤتمر عن رأيي فيه، هذا العام كان أقل مستوى من حيث المحتوى والأفكار المطروحة، شعرت كثيراً بالملل والتكرار، ربما بسبب اختيار مواضيع متقاربة وأيضاً ضعف ثقافة العرض والتحدث لدى المشاركين المحليين، يضعون عرض تقديمي على الشاشة مليء بالكتابات والصور وتبدأ القراءة بلا وعي، حتى الوقفات لا توجد، سيل من الكلام الذي لو توقف قارئه للحظة وتسأله عنه لم يعرف منه شيئاً. لكن على مستوى التنظيم كان ترتيب جيد وخدمات متوفرة ومن أهمها الانترنت اللاسلكي الذي مكن الحضور من كتابة تغطياتهم الخاصة على الهواء وإثراء من لم يمكنه الحضور.
–٣–
من المشاريع التي انتظرت ولادتها منذ فترة، مجلة الكترونية جديدة للحياة، للأفكار، للفنون، والازياء. هذه المجلة من إعداد أخواتي، فخورة بهنّ فالمحتوى المكتوب والتحرير الفني كله من اعدادهم، شاركت قليلاً وعليكم أن تحزروا أيّ الاضافات في الصفحات منّي. أقدم لكم (The It mag).
–٤–
لماذا يخبرنا الطيار بارتفاعنا؟ لماذا يلحّ ويكرر نحلق الآن على ارتفاع ٢٣ الف قدم، أو ٤٧ الف قدم، ويحولها بوحدات القياس كلها، ويذكرنا بأن الارض تركض تحتنا بسرعة ٧٠٠ كم، تراه يريد أن نفخر بأنفسنا، بأننا ارتفعنا، وركضنا، ولم تكن الطائرة هي الناقل؟ ما زلت اتساءل، وانظر لعيون المسافرين الفزعة عندما يذكرهم بارتفاعنا، بينما اتحسس اجنحة صغيرة على كتفي، وابتسم.
–٥–
شهيتي القرائية منتعشة مؤخراً، هذه الشهية التي لا تسبب لي حرجاً ولا أعراض جانبية، ولا تؤثر في خزانتي والحمد لله، قلت بأنني لن اشتري كتابا في ٢٠١٣م، والهدايا كل حين تصلني، لماذا لم أفكر في هذا التحدي قبل الآن؟
–٦–
ماذا بعد؟ ليس لدي الكثير لأقوله، ربما هذه التدوينة لتمرين الحبر النائم في قلمي ودفعه للخروج، أو للاعتذار عن غياب طويل؟ كم مرة كتبت تدوينة مشابهة؟ لا اذكر.خلال الاسابيع المقبلة المزيد من التفاصيل المدهشة بإذن الله، وسأحاول تدوينها فوراً، لأجلكم أولاً ثمّ ليبقى ذهني حاضراً ولا أنسى كيف أكتب. سأقرأ كتب تنتظر “فيكتوريا لـ سامي ميخائيل” و “رأيت رام الله لـ مريد البرغوثي” وسأعود من جديد لبول أوستر مع كتابه/السيرة “Hand to mouth”. سأشاهد أفلام الأوسكار الآن بعد أن خفتت الدعاية، وتوقف الناس عن الحديث والتوقع، وسأشاهد أيضاً وثائقي عن الحدائق الفرنسية من إنتاج بي بي سي، أعد نفسي بشهور ممتعة في انتظار عودة باقي الفريق، وسأجعلهم فخورين بأنني لم أفقد عقلي في انتظارهم.
تدويناتك تصيبني بالهوس . . هوس القراءة .. تأمل الحياة من جديد .. لربما نقول تفاصيل الحياة من جديد .. المسافات بين الحروف والكلمات والمعاني ..
أختصر حماسي وهوسي بكلمات بسيطة .. نحن هنا نقرأ ما تكتبين .. نشعر بما تكتبين .. ونُلهم بك كثيراً كثيراً كثيراً ..
وتعليقاتك تفعل بي ذات الشيء .. وأكثر!
أحب هذا الحبّ الذي تغمريني به، لا مشروط ورائع..
أحبك فاطمة ♥