أتمنى منكم ترك أي توقعات مسبقة حول محتوى هذه التدوينة جانباً، هنا حكاية بطولة شخصية .
كان الزمان صيف ١٩٩٤م، في المنتصف تماماً بين برشلونة واتلانتا، وكنت طالبة في المركز الصيفي الذي يبعد عن بيتنا شارعين تقريباً، لماذا اشتركت؟ بسبب فضولي! تلك الهالة التي تصنعها الزميلات بعد كلّ صيف، والرموز والحكايات المشتركة بينهنّ، لماذا لا أكون جزءا من هذه المغامرة إذاً؟ وسجلت بعد صراع مع والدتي التي لا تصدق أنها استراحت من دوام الدراسة الرسميّ، حتى نطالبها بدوام جديد، ومن تمشيط الظفائر العنيدة لاختيار ملابس صالحة للارتداء في رحلتي اليومية، هنا ورطة لمن تمضي جلّ وقتها في ملابس المنزل، ولا تملك سوى مريول المدرسة وشرائطها البيضاء – لم يكن شيء آخر يهم-. في البدء قسّم الثلاثي المكون مني ومن أخواتي على ثلاثة فصول، في كلّ منها تُحشر الفتيات في فئات عمرية مختلفة، الكبير والصغير، المراهقة والطفلة، الأم، المدرسة، الخ . المهمّ هو أننا نجتمع وننهي المدة المطلوبة من الحضور والوصول لحفل الختام، والبوفيه! لم ابرع في شيء، لم اتمكن من حفظ النصوص المقررة من الشعر العربي، ولم احفظ القرآن، ولم احضر حصص الطهي التي تمّ استبعادي منها قسراً بلا سبب. وكلّ يوم تحاول والدتي اقناعي بالعدول عن الذهاب، والبقاء في المنزل ومشاهدة الكرتون، لا حياة لمن تنادي. لكن وفي إحدى الأيام كوفئت على صبري الطويل، وانتظاري لشيء محفز وايجابي أخرج به من المركز واتحدث عنه طويلاً بعد الصيف. لا .. لم اتأهل للحفل الختامي، ببساطة لم أكن امتلك الشخصية اللامعة والتأثير الذي يمنحني الحقّ في الامساك بالميكروفون والغناء – أو الانشاد في هذه الحالة – ، ولا الاتزان الكافي لتوزيع المرطبات والحلويات على المدعوات، ولا الطول لحمل العلم أو اللوحات المصاحبة للعرض الحماسي. حدث أن شعرت مسؤولة النشاط في صفنا بالملل، وقررت تجربة شيء جديد، ابلغتنا أنها في الغد ستنظم سباق للعدو، خارج المبنى، حول المبنى بشكل أدقّ، وأننا سنحتاج لارتداء سراويل رياضية إنما تحت الفساتين والتنانير الطويلة التي نأتي بها للمركز، وأي طالبة ستخالف ذلك ستعرض نفسها لعقوبة : البقاء بالعباءة داخل المبنى. بلا تفكير، رفعت يدي عالياً وأعلنت بأنني سأشترك. لم أفكر في سروال الرياضة المطلوب، ولا قدرتي على المباراة، ولا شيء!
عدت للمنزل واخبرت والدتي، التي بالمناسبة تكره المفاجآت، تكره المفاجآت منذ استيقظت يوماً بعد قيلولة متعبة ووجدت بأنني منحت نفسي قصة شعر جديدة. أي مفاجأة اقدمها لها، ستكون من العيار الثقيل. لكنها على عكس ما توقعت قررت حسناً ستشاركين، لكن هيفا لا تملك سروال رياضة، على الاقل بحالة جيدة تسمح لها بالركض به أمام الجمهور. ماذا تفعل والدتي؟ تخيط لي سروالاً، وبسرعة جهزت السروال، الذي بعد ارتداءه تبين لي أنه “شروال” ربما حدث خطأ في القياسات أو القصّ، لكنّ والدتي نادراً ما تخطئ في هذه الأمور، إنه حظي، واعلنت والدتي بأنه من الافضل تغيير رأيي وعدم المشاركة. لا لا لا .. سأشارك.
في الغدّ ارتديت فستان جميل يشبه رقعة الشطرنج خاطته أمي منذ زمن، وحملت شروالي الاسود في كيس، وانطلقت للصف، لم استمع للعظات، ولا نصائح الفتيات الهامة في ذلك اليوم، كنت انتظر متى تعلن خروجنا للباحة الخلفية، وكانت تتلكأ، خشيت أن تعلن فجأة أننا لن نتسابق، ولكن اللحظة حانت وخرجنا. طبعاً أخواتي على علم بالسباق، وكانوا متأهبين مثل بقية الصغيرات الواقفات قرب النوافذ المطلة علينا. اصطففنا وكدت افقد حماسي ووعيي عندما أعلنت الانسة سين والتي بالمناسبة أطول فتاة عرفتها في حياتي، كانت طويلة ونحن اطفال، طويلة في المدرسة، طويلة في الجامعة وربما طويلة في بيت زوجها الآن. اعرف أن خطوة الفتاة الطويلة طويلة ايضاً، وبقية المشاركات كنّ شهيرات بالعدو في وقت الفسحة بينما اصاب بالدوار وارفض تناول طعامي وأنا اتمشى، الآن تظهر الحاجة لجسد دائم الحركة، جسد نشيط، لا يختل توازنه، اتراه مرتبط بالحبو؟ أنا لم أحبو، أنا جلست طويلا، ثم وقفت ومشيت.
اصطففنا، بشكل مائل، شيء يشبه سباق العدو الذي شاهدته في التلفاز مراراً، شددت على أسناني والتفت باتجاه أخواتي الصغيرات “لن أخيب ظنكم اليوم“. 1 استعداد، 2 انتباه، 3 انطلاق، وانطلقنا، كل شيء رمادي، توقفت عن الاستماع لشيء آخر سوى انفاسي، وارتطام الحصى الصغير بحذائي الجلدي الذي ارتديته بلا جوارب – يا الهي – . ركضت كأننى طريدة أمام حيوان مفترس. ركضت حتى نسيت التنفس، ركضت حتى بدأ الشروال بالانزلاق، وبدأ كل شيء يتهاوى، التركيز الآن يتشتت، يداي طليقتان، تساعدني في الاسراع، لكن في حالة فكرت الامساك بصديقي الذي ينزلق ستتراجع سرعتي وقد افشل. تجاهلت الموضوع ركضت وركضت، ولم استطع التوقف حتى بعد الوصول لخط النهاية.
بعد هدوء عاصفة الغبار خلفي، وترتيب نفسي، صفقت لنا المسؤولة بحماس، رائع رائع، أحسنتم، والآن توزيع الجوائز. ما زلت ابحث عن رئتي، وصوتي، وعيناي، بعد كل هذا الركض أعلنت النتائج وكنت في المركز الرابع، ضمن سبعة متسابقات، والجائزة علبة بيبسي. . حار.
قصة جميله ضحكت في اخرها كثيراً XD
كم كان عمرك ؟ وكيف كانت الحياة في المدينه التي سكنتها في الخارج هل لكِ ان تكتبي تدوينة ً عن ذلك
بوركتِ عزيزتي للمرة الأولى اصافح مدونتك
: )
كان عمري تقريبا ١٢ سنة .
بس ما فهمت جزئية المدينة الي سكنتها بالخارج :$
وحياك الله دائما.
قصة جميلة و تفاصيل رائعة 😀
ضحكت كثيراً على عدم اهتمامك بالشروال المنزلق ^_^ كنتِ مصممة على الفوز إذاً !
فداكِ البيبسى الحار .. المهم أنك ركضتى ^_^
اهلا دعاء ،
القصة هذي تصيبني بنوبة ضحك في كل مرة استرجعها مع اسرتي، كتابتها كانت محاولة لنقل الضحك اليكم ، الحمد لله نجحت .
كم أعشق ما تكتبين يا هيفاء
قصة رائعة بين برشلونة واتلانتا 🙂
أهلا محمد ،
وأنا سعيدة بقراءتك : )
مرحى للعدو ، جربته ذات مرة و كنت الأولى أو الثانية 🙂
رأيك نسوي لنا أولمبياد خاص!! 🙂
ليش لأ !
اقرأ دائما عن الاستعداد للماراثون، وقرأت كتاب موراكامي عن الركض، والله شغلة جميلة !
لغةٌ جميلة يا هيفاء ، و كم هو ممتِع قراءتِك للمرّةِ الأولى بهذهِ التفاصيل البريئة !
علَتني ابتسامـة من الأذن لـ الأذُن وأنا أختتمُ المشهد 🙂
أهلا هالة ،
أتمنى أن تزورين بيتي دائما .
شكرا لكِ
جميل يا جميلة.
شكرا محمود : )
هههههههههههه هيفا ضحكتيني صدق، و تشتت قلق ما قبل النوم.
اتمنى لك يوم سعيد.
الحمد لله : )
اهم شي قلق ما قبل النوم ، وايامك كلها سعيدة يا حبيبتي :*
لاه لاه لاه …ههههههه آه استمتعت كثيراً بقراءة (لا أشعر أني قرأت بل شاهدت) كان شيء مذهل مذهل قراءة هذه اللقطة من عمرك الجميل ..
مرة قررت أن أتهور وأشارك في تدريب العدو الطويل في المدرسة وسقطت أحد العداءات وأتممت الركض كذا متر وكسرت خاطري ورجعت أنقذها .. وزاحت لذة الفوز والانتصار وبطلت أروح تدريب الجري واستقريت على السباحة هههههه
يسعد قلبك هيفااااااا ..
ههههه باقي السباحة لي اجل ، كل سنة اقول خلاص هذي السنة الي بتعلم اسبح وتمشي ولا يصير شي .
حياك يا جميلة :*
وقهقهة عالية ! 🙂
كنتُ أظنُ يا هيفاء أني الفتاة الوحيدة التي تمتلك ذكريات عن بطولات عجيبة ومفاجآت مرعبة …
أذكرُ مرة قمنا بعمل سباق في بيت عمي واتخذت الأمر بكامل الجدية لدي، ولم أدرِ إلا وكاحلي يتعلق بحزام فستان الكتان لرفيقتي في العدو،و لأصطدم بجسمٍ إسمنتي وأنعم بكرة بشعة من الدم المتخثر على جبيني المزرق أسبوعاً كاملاً!
.. وبالمناسبة أيضاً كنت أعتقد أني الفتاة الوحيدة التي قامت بجدل شعرها في ظفيرة والتخلص منها بتكتكة مقصٍ حاد، حتى قرأت :
( تكره المفاجآت منذ استيقظت يوماً بعد قيلولة متعبة ووجدت بأنني منحت نفسي قصة شعر جديدة )
ضحكتيني.. أعجبتني طريقة سردك للقصة
ربما كان البيبسي البارد لصاحبة المركز الأول 😀
حظ موفق في مراثون آخر
ضحكتيني مووووت ياهيفا XD
سردك للقصة لطيف جداً هيفـاء
أستمتعت حقاً ^__^