٩ | هيفا خلف المقود

علّمني والدي تشغيل السيارة قبل ثلاثين سنة تقريبا. كنت في المرحلة المتوسطة وكان نشاطًا صباحيًا محبّبًا. يكمل والدي إفطاره وأخرج وأخواتي الصغار للسيارة ننتظر. أشغل المحرك وأتخيل أنني أقود السيارة للمدرسة حتى يخرج. نستمع للراديو وأفكر في غيرة أبناء الجيران. وبين تلك السنة وإعلان السماح بقيادة المرأة لم تتطور علاقتي بالمقود ولم أتقن شيئًا غير تشغيل التكييف، وضبط موجات الراديو. لكنّي للأمانة كنت دائمًا الراكب الذي لا يستريح ويقود المركبة مع قائدها ويراقب المرايا والطريق وكلّ شيء.

لم تكن قيادة السيارة مهارة تحفزت لإتقانها، مرت السنوات الأولى بعد السماح بالقيادة وأنا أبارك لرفيقاتي وقريباتي حصولهنّ على الرخصة واقتحام الطرقات. وفي نفس الوقت كنت أفكّر سيأتي توقيت مناسب، لا أعلم متى هو لكنّه سيأتي.

كانت محاولتي الأولى في ٢٠٢٠ قبل حجر كورونا بعدة أيام، وجدت مدربة سياقة متمكنة-أو هذا ما سمعته ممن وصّوا بها. كانت الدروس سريعة ومختصرة، وخطرة! فقد دفعتني المدربة في وقت قصير إلى الخروج للطريق العام في ساعة ذروة ومنطقة مزدحمة بكلّ أنواع المركبات. بالإضافة لكوابيسي بأن ينتهي بي الأمر تحت إحدى الشاحنات الضخمة كان صراخ المدربة يرنّ في أذني. وتصرفاتها العشوائية في الإمساك بالمقود فجأة أو الصراخ العشوائي بسبب سيارة تقترب من بعيد. أُعلن الحجر بعد انتهائي من حصص التدريب العشوائية تلك وحمّلت نفسي مسؤولية الأمر فلمَ أردت الاختصار والتدرب معها؟ كان من الأفضل اختيار الطريق الطويل الآمن بالتدريب داخل المدرسة حتى وإن انتظرت دوري طويلًا.

أجّلت على إثر ذلك اختبار الرخصة أو التقييم. ومرت سنة كاملة لأستعيد قدرتي على التدرب وحجزت موعدًا في المدرسة وبدأت دروسي النظرية. بعد الانتهاء من الدروس حددت موعد الاختبار النظري الذي يتمّ على الكمبيوتر خلال وقتٍ قصير. أصبت بوعكة صحية مفاجئة أبقتني في المنزل ولم أحضر الاختبار وأخذت هذه الوعكة كعلامة لتأجيل الأمر من جديد. احتفظت المدرسة بسجلي والمدفوعات التي دفعتها لبرنامج كامل. مرّت الأيام وقررت استقدام سائق ونسيت فكرة القيادة تمامًا. وكلما تحدث شخص في الموضوع أخبره بأني اختار معاركي بعناية، ومعركة الشارع ليست أولوية.

ومع مرور الأيام كانت إشارات التحفيز والإلهام تظهر لي، وفي نفس الوقت بعض رسائل الإحباط والتردد. هناك قسم من معارفي يستغرب أني لم أقد سيارتي بعد ففي نظرهم أنا سباقة دائما لتبنّي أي جديد. ومن جهة أخرى يعلق البعض أنّني شخص قلق ومتوتر ومتهور أحيانًا ولذلك لن تكون القيادة فكرة صائبة.

اتجاهل الفكرة وتزورني في كل مرة يتصرف السائق بطريقة متهورة أو غير لائقة. في كلّ مرة أجد نفسي محاصرة بحاجتي لوجوده واعتماديتي الكاملة عليه. في كلّ مرة أودّ فيها الاختلاء بنفسي أو التحرك حسب ما يقتضيه جدولي الخاص دون الحاجة لجدولة كلّ شيء مع السائق ومن يشاركني خدماته.

بدأت السنة الجديدة بفكرة وحيدة: إنهاء المشاريع المؤجلة. بدأت باستعادة فصول كتابي التي أنجزتها ومواصلة الكتابة استعدادًا لنشره قريبًا. أقفلت ملفات خاصة، وفي لحظة إلهام من ابنة عمّي التي تكبرني في العمر استعدت رغبتي في تعلم القيادة. زرت المدرسة وأكملت إجراءات التسجيل ونفض الغبار عن ملفي المنسي. تغيرت المدرسة تمامًا وكذلك مدرباتها ودروسها. وفي الأيام التي تزامنت مع زيارتي للمكان كنت أبحث عن عقبة أو إشارة لأعود أدراجي. لكن ما حصل كان عكس ذلك، ففي اليوم الأول لحضوري للمدرسة وخلال دقائق الانتظار شاهدت سيدة سبعينية تسجّل بياناتها لتعلم القيادة، وعلى مكتب آخر فتاة تشرح لرفيقتها بلغة الإشارة إجراءات الدفع والتسجيل. كلّ شيء يقوم: أقدمي!

بدأت التدريبات العملية وتمددت الأيام على ثلاث أسابيع، جرّبت نفسي في كل المهارات، ولكنها كانت بيئة محميّة داخل ميدان مغلق. لم أهدأ حتى شاهدت نفسي في شارع عام خارج المدرسة، اختبرت ملاحظتي وقدرتي على التحكم بالمركبة وتخففت من كوابيسي وقيودي الشخصية. لقد حظيت بمدربة رائعة هذه المرة. هادئة ذكية ومطلعة ومطمئنة وهذا أكثر محفز لمواصلة التدريب. في يوم الدروس الأوّل تعرفت عليها وأخبرتني بفرحة عارمة أنّها اختيرت مدربة مثالية هذا الشهر. وبينما كانت تتحدث بفخر غرقت في فكرتي: هذه إشارة طيبة.

كنت أقول بأني لن أقود السيارة حتى أحصل على رخصتي، ولكني استيقظت صباح الأمس بشعور غامر: أريد الذهاب للسوبرماركت وشراء احتياجاتي بنفسي والعودة مجددًا للبيت. خرجت بهدوء دون أن أخبر أحدًا وكان الطّريق للسوبرماركت قصيرًا جدًا. حدّثت نفسي بصوت مسموع: يمكنك فعلها.

وصلت إلى المواقف وكانت شبه فارغة، اخترت موقفًا بعيدًا عن المدخل والازدحام وبدأت رحلة تسوقي. في الممرات عشرات الأطفال الذين جاؤوا للتعرف على الخضروات والفواكه والخبز واللحوم. فكّرت في الحبل السري الذي يربط بيني وبين جموع الأطفال في السوبرماركت. كلنا نحتفل بفضول ومرح وحماس. تعلّمنا مهارات متنوعة واليوم كان يوم التطبيق. كلما دخلت ممرًا وصادفتهم فيه ابتسمت في سرّي. هذه ليست المرة الأولى التي أتسوق فيها هنا، أو أطلب من أفراد عائلتي قائمة طلباتهم. هذه المرة خاصة ومميزة في قلبي. علبة الفراولة والتوت ومعجون الأسنان الحسّاسة وكيس الخبز العربي وجبنة الشيدر المدخنة كلها مشتريات مختلفة لأنني حملتها للسيارة ووضعتها في المقعد الخلفي وجلست في المقدمة وعدت للمنزل بنفسي.

قد تبدو هذه لحظة اعتياديه لشخصٍ آخر، ولكنّها مختلفة بالنسبة لي. تعني انتصاري على مخاوفي وترددي وتأجيلي. فقد بدأت دروس القيادة أوّل مرّة في مارس ٢٠٢٠، وانهيتها بعد خمس سنوات بالضبط. لقد نبهتني مرشدتي: تأملي كيف ستتغير حياتك بعد تغلبك على هذه العقبة. واليوم بعد شهرٍ كامل من حماسي وذهابي للمدرسة للتسجيل وبدء التعلّم حصلت على رخصة السياقة واجتزت الاختبار. خميس مختلف لسيدة تجاوزت الأربعين وقررت تعلّم مهارة حياتية ضرورية حتى وإن لم تستمر بتوظيفها.

اليوم أفكر في المقاهي التي تنتظر زيارتي، والمكتبات، ورحلات التسوق، والزيارات العائلية، وطريقي اليومي لعملي. أفكر في كل الذين سيصحبونني في الكرسي الأمامي وحكاياتنا معًا.

أنا سعيدة وفخورة بنفسي جدًا! وأعلم أنّ هيفا الصغيرة التي كانت تستمتع بتشغيل المحرك والجلوس للحظات قبل خروج والدها ستفخر بي أيضًا وتقفز بحماس. هذه التدوينة لتسجيل لحظة فارقة في حياتي، ولتكون رسالة أو إشارة لمن يؤجل أمرًا نافعًا في حياته، أو مشروعًا متعثرًا بحاجة لإنعاش. انطلقوا اليوم وأقدموا.

.

.

.

 

 

 

 

٨ | رمضان هادئ

أدركت قبل عدّة أسابيع أن اختيار يوم الخميس في بداية العام لنشر تدوينة أسبوعية كان خيار غير صائب! حتى وإن كنت بدأت كتابتها خلال الأسبوع أو اخترت عنوانها فإن تيسّر مراجعتها ونشرها يوم الخميس لن يكون بذات السهولة. لذلك رأيت تعديل الموعد للسبت أو الجمعة أو نشرها متى ما تيسّر ذلك. الكتابة الأسبوعية جزء من هدف لاستعادة نشاط المدونة بعد اطلاعي على معدلات النشر في سنواتٍ ماضية. في إحداها نشرت حوالي ٦٥ تدوينة في سنة واحدة. تنوّعت مواضيعها وأساليب الكتابة فيها. أريد سنة غنية بالكتابة وأريد نشاطًا منفصلًا عن كتابة فصول كتابي الذي سيرى النور هذه السنة بإذن الله. نشاط كتابي أجمع فيه شتات الأسبوع واللحظات الجميلة والمختلفة التي قبضت عليها.

بدأت الشهر الكريم بوعكة صحية غريبة والمتهم الوحيد فيها البرد الشديد الذي تعرضت له قبل أسبوعين تقريبا. كانت موجة برد شديدة على الرياض، وتساهلت كثيرًا معها بالخروج بملابس أخفّ من المعتاد. حبس جسدي البرودة عدة أيام، وبينما شاهدت أفراد أسرتي يتململون من ارتفاع درجة الحرارة التدريجي كنت التحف كنزة صوفية طويلة وارتجف. استيقظت في يوم رمضان الرابع منتعشة حيّة من جديد! عدت لصخبي المعتاد على الفطور واستعدت شهيتي للطعام والعمل. ما احتجته في الحقيقة كان ليلتين من الدفء والنوم العميق وتأجيل كلّ شيء! فالحمد لله على الصحة والعافية.

أقضي مساءات الشهر في الراحة والهدوء والاستمتاع بالقراءة المطولة، لدي الكثير من المقالات المحفوظة والنشرات البريدية بالإضافة لقراءة سيرة نابليون لإميل لودفيغ وسلسلة «الإحاطة في أخبار غرناطة» للسان الدين بن الخطيب. اقرأ للمتعة البحتة بلا مشروع أو وجهة.

أتعلم أيضًا مهارة حياتية جديدة، وقد أحدثكم عن التجربة في التدوينة القادمة بإذن الله. وكما كتبت في التدوينة السابقة رمضان وقت مناسب لتبنّي العادات وتجربتها بهدوء وتروّي. سواء كان هدفك الاهتمام بصحتك الجسدية أو النفسية، أو تعلّم شيء جديد، أو إتمام مشروع معلق.

أدرك جيدًا أن الوقت محدود خلال ساعات اليوم خاصة إذا كنت تعمل في جزء كبير منها، ولكن اختيار ما تودّ التركيز عليه بوضوح ومنحه أولوية سيصمد أمام مغريات الشهر الكثيرة: الخروج وتناول الطعام والكثير من المشاهدات.

للأيام المتبقية من الشهر سأستعيد متعة قديمة كتبت عنها ذات مرة هنا في تدوينة #وثائقي_ومشي. لأن المشي اليومي يجد ممانعة في نفسي واحتاجه بشدة لذلك اختار ربطه بشيء ممتع. سواء كانت وثائقيات أو حلقات بودكاست طويلة يمكن متابعتها كسلسلة خلال عدة أيام. وبذكر الوثائقيات أقضي نهاية الأسبوع غالبًا وجهاز التلفزيون مفتوح على الجزيرة الوثائقية. هناك سلاسل جديدة ممتعة تعرض حاليًا مثل مسلمو العصر الفيكتوري. 

وبما أننا نعيش أيّام مطيرة وأجواء دافئة تعلن وصول الرّبيع تذكرت تدوينة «خفف السرعة منعًا للإنزلاق» التي نشرتها قبل عامين في رمضان أيضًا وفيها أفكار مشابهة للتي تدور في ذهني حاليًا.

.

.

.

٧ | التفكير الاستراتيجي وإعادة تصميم حياتك

قرأت قبل فترة مقالة في مجلة هارفرد بزنس ريفيو. بحثت عن ترجمتها العربية لمشاركتها ولم أجدها. ومع أني أقاوم بشدّة نشر المقالات المترجمة خاصة في الفترة القريبة الماضية إلا أنّ موضوعها المهمّ والمغري للتطبيق حقيقة، دفعني لبدء العمل وتقديم صياغة مختصرة لها. يمكنكم أيضًا قراءتها على الرابط، أو مشاهدة الفيديو هنا لموجز مرئي من الكاتب.

قدّم المقال منهجية لبناء استراتيجية حياتك. وهذه المنهجية مستوحاة من استراتيجيات الشركات في أساسها. كيف يمكن لنا كأفراد الاستفادة من هذه المنهجية لإعادة تصميم حياتنا؟ تتكون المنهجية من سبع خطوات رئيسية لتحديد الأهداف، وتقييم حياتك اليوم، ومن ثمّ اتخاذ قرارات واعية لحياة أكثر توازن ورضا.

يمكن لكلّ منا رسم استراتيجية حياته في أي وقت، لكن بما أني تقاعست عن نقل المقال قبل بدء العام الجديد، وجدت أنّ شهر رمضان نقطة مناسبة لإعادة التنظيم والتأمل والترتيب. هناك لحظات فارقة في حياتك تدفعك لاتخاذ قرار التغيير وإعادة البناء، وقد تكون هذه لحظة مناسبة في حياتك. ومن المهمّ معرفة أن وجود هذا المخطط أو الاستراتيجية لا يعني التحكم المطلق في كلّ شيء، ولكنّه يعطينا بوصلة داخلية تساعدنا على التعامل مع التحولات، وتعزيز المرونة وإيجاد مساحات جديدة من الفرح والرضا وتقليل الضغوط التي تثقل كاهلنا.

وهكذا وبلا إطالة سأشارك العناصر أو الخطوات التي ذكرتها المقالة مع توضيح مختصر لكلّ منها.

حدد معنى “الحياة العظيمة” بالنسبة لك

استخدم نموذج بيرما PERMA للرفاهية النفسية الذي طوّره مارتن سليجمان مؤسس علم النفس الإيجابي. وقد طوره باحثون آخرون لاحقًا إلى PERMA-V، والذي يرمز إلى المشاعر الإيجابية (مشاعر متكررة من المتعة والرضا)، والمشاركة (الانغماس، وفقدان الإحساس بالوقت)، والعلاقات (المشاعر المتبادلة من الرعاية والدعم والحب)، والمعنى (المساهمة في جعل العالم مكانًا أفضل)، والإنجاز (السعي إلى النجاح أو الإتقان، والوصول إلى الأهداف)، والحيوية (أن تكون بصحة جيدة وحيوية). للتعرف على حياتك الآن في هذه المجالات تحديدًا.

لتحديد ما يجعل حياتك رائعة، ابدأ بكل عنصر في PERMA-V، أو حتى أضف الفئات والعناصر الخاصة بك. ثم قيّم أهمية كل عنصر بالنسبة لك على مقياس من 0 (غير مهم) إلى 10 (مهم جدًا). ​​حاول تذكر فترات الرضا العميق في ماضيك وفكر في الأسباب التي أدت إلى حدوثها.

حدد هدف حياتك

ضع تعريفًا واضحًا لما يحفزك وما يمكنك تقديمه للعالم. يمكنك ذلك من خلال الإجابة على هذه الأسئلة الأربعة الأساسية:

  • ما الذي أتميز به؟ (الإبداع؟ القيادة؟)
  • ما هي قيمي الأساسية؟ (مثل الإحسان والنزاهة والعدل)
  • ما الذي يشعرني بالحماس؟ (التعلّم أو السفر؟)
  • ما الصعوبات التي يمكنني المساهمة في حلها في هذا العالم؟ (الاستدامة أو التعليم؟)

استخدم هذه الإجابات لإنشاء رسالتك الشخصية في الحياة واطلب ملاحظات من الآخرين لتحسينها والإضافة إليها.

ضع رؤية لحياتك

تخيل مستقبلك وحدد تطلعاتك طويلة المدى.

  • أين تريد أن تكون خلال 5-10 سنوات القادمة؟
  • جرّب تمرين لوحة الصور Mood Board
  • اسأل نفسك:
    • ما الذي سأفعله لو لم يكن المال عائقًا؟
    • ما الأمور التي لا أرغب بتفويتها والندم عليها لاحقًا؟
    • ما الإرث الذي أرغب في تركه بعدي؟

قيّم حياتك اليوم

الأمر أشبه بجردة شاملة لحياتك اليوم واستكشاف ما تقضي أغلب وقتك وطاقتك فيه وتأثير كلّ هذا على النتائج التي تعيشها. هل أنت راضٍ؟ هل هناك مساحة للتحسين؟  استخدم الصورة التالية لتقييم حياتك. يمكنك التفصيل والاسهاب لتعكس حياتك ومجالاتها الفعلية. قد يستغرق اكتشاف هذه الخطوة فترة من الزمن والكثير من التذكر والتفكير، نصيحتي المجرّبة لا تتجاهلها!

استراتيجية الحياة

تعلّم من النماذج الناجحة والأبحاث العلمية

كما ترى في استراتيجيات الشركات هناك مرحلة المقارنة المعيارية أو Benchmarking . تُدرس الشركات المشابهة والتجارب السابقة والدراسات لنستقي أفضل الممارسات منها. وفي حالة الحياة الشخصية يمكنني التفكير في النظر لمن تقتدي بهم، أو الذين ترى ارتباطًا وتشابها بين حياتك وحياتهم ويحققون الرضا والنجاح الذي تنشده. الأمر يتطلب البحث والاكتشاف وربما خوض الحوارات معهم لتحديد الممارسات التي ترغب في تبنيها أو تجربتها.  أحبّ أيضا إضافة تفصيل ينعشني دائمًا: قراءة السير الذاتية! لشخصيات مختلفة حتى أولئك الذين يعملون في مجالات تختلف عني.

 

اتخذ قرارات استراتيجية لحياتك

بعدما تأخذ وقتك في اكتشاف الخطوتين السابقة ستصل إلى مجموعة من القرارات أو التغييرات التي تودّ إضافتها لحياتك. قد لا تكون بالضرورة خطوات عظيمة وصارمة، فالتغييرات المستمرة جزء من الاكتشاف وإعادة التصميم. يمكن أن تكون التغييرات في جانب العلاقات، فتعود للتواصل مع صديق قديم أو تبذل جهد أكبر في التعرف على مزيد من الأصدقاء الجدد. وفي مجال العمل والدخل قد تحسن من جودة أدائك عبر حضور دورات تدريبية أو تعلم مهارة جديدة، وهكذا. انطلق من التحليل السابق لكل عنصر من حياتك وأوجد تغييرات صغيرة يمكنك اعتمادها وتجربتها.

هذه المرحلة مناسبة أيضًا لإعادة تحديد الأولويات.

 

ضمان استدامة التغيير في حياتك

كيف يمكننا المحافظة على استدامة كلّ ما فعلناه سابقًا؟ عبر وضع خطة تنفيذ ومتابعة وتقييم مستمر. وهناك طريقتين يمكن اعتمادها هنا: عبر وضع الأهداف الذكية القابلة للقياس وتقسيمها لخطوات، ومن خلال استخدام تقنيات الالتزام كأن تشارك خطتك مع شخص يراقب تقدمك ويعمل معك على نفس الهدف.

وأخيرًا.. لخّص كل شيء في صفحة واحدة

يشارك كاتب المقال في متنه نموذج يجمع كل الخطوات في صفحة واحدة ويتيح لك ملأها والتعديل عليها رقميًا. وأنا أقترح تحويل الاستراتيجية للوحة متابعة مشروع، نعم أنت المشروع! يمكن وضعها في جدول اكسل أو برنامج لمتابعة الأعمال مثل تريلو أو استخدام تطبيقات الملاحظات مثل نوشن. أيًا كان الوسيط الذي تستخدمه لتدوين الأفكار ومتابعتها ضع كل خطوات الاستراتيجية فيه وحدد التقدم الذي تريده. ستكون هذه الصفحة الشاملة بمثابة خارطة طريق شخصية تراجعها باستمرار لضمان البقاء على مسارك الصحيح.

.

.

.

Photo by WSJ

٦ | أن تحمل بيتك معك

سكنت ثمانية بيوت قبل أن أبلغ العشرين من العمر. تغيب هذه الفكرة عن ذهني كثيرًا لأعود واستعيدها كلّما وجدت نفسي اقترب من منعطف تغيير أو أيّ موقف آخر يتطلّب مرونة مضاعفة – حتى لو كان تعلّم مهارة جديدة أو الاستيقاظ مبكرة عدة ساعات! كان كلّ انتقال في صغري بمثابة مغامرة جديدة، تبدأ من زيارة المنزل الجديد لأول مرّة والركض بين غرفه واختيار غرفتي الجديدة. شعور السجاد المغسول حديثًا وطراوته، رائحة الجِدّة في المكان: هذه لوحتك الخالية من أي خطوط والآن عليكِ رسمها. هذا التحول كان تحديًا يتطلب التأقلم السريع. وهكذا طوّرت عادة صغيرة لكّنها ثمينة: فور وصولي لمسكني الجديد، أبدأ بصناعة مساحتي الشخصية المحببة والدافئة. كتبي وملابسي وأقلامي ودفاتري. وفي الحديقة اختار شجرة مفضلة وربّما ابحث عن التفاصيل الخفية في المكان كأخطاء الطّلاء أو تفاوت ارتفاع مقابس الكهرباء. كلما امتدّت قائمتي بعناصرها كلما هدأت نفسي وشعرت بأني الآن في بيتي. لم يقتصر الانتقال على المنازل، بل شمل المدارس والصديقات. في كلّ مرة، كنت أجد نفسي أمام ضرورة ملحّة لزراعة جذوري من جديد، ابحث عن مكاني في الصفّ، وساحة المدرسة، واستكشف زميلات الدراسة وأنسج لهنّ قصصًا في رأسي لأحدد أيهنّ أصلح للصداقة. هنا أيضا طوّرت مهارة ثمينة: القدرة على التأقلم السريع وبناء العلاقات، حتى وإن كانت البداية مبهمة أو مقلقة.

مع تقدّمي في العمر، تحوّل الأمر لشيءٍ أكثر تعقيدًا. لم يعد مرتبطا فقط بالبيوت أو المدارس، بل طال أماكن العمل والعلاقات. أصبحت أعي أن الوصول لمكان جديد لا يعني الانتظار ليصبح مألوفًا، ولم تعد خطوات ترتيب المكتب أو إضافة الأغراض والاكسسوارات تساعدني في الاندماج. احتجت لإيجاد شكلٍ آخر من بناء «المساحة الدافئة» وهذه المرّة في عالم الكبار. كانت مرّة إيجاد الاهتمامات المشتركة مع زملائي الجدد، أو البحث داخل الجهات عن هوايات جديدة، أو الاستفادة من خبراتي الطويلة بنقل المعرفة للزملاء الأصغر سنًا.

مع كلّ ذلك، لا يمكنني إنكار هذا الجهد المضني. أن تفعل الشيء نفسه مرارًا وتكرارًا دون أن تحصل على نتيجة مرضية في بعض الأحيان. مهما حاولت تكون التربة ميتة مسبقًا، لا يمكن مدّ الجذور فيها أو النمو. هذا محبط. وأبدأ بالتساؤل: أين يكمن الخلل؟ هل هو في طريقة اقترابي من الأشياء؟ والناس؟ أم أن هناك أماكنًا وأناسًا لا يمكن التكيّف معهم مهما حاولنا؟ هذه التساؤلات قد لا تجد إجابة سريعة، لكنّها جزء من الاكتشاف.

كتبت ذات مرة عن البيت الذي «نحمله بداخلنا». تلك المرساة الداخلية التي تضمن لنا التوازن حتى في أكثر الأماكن غرابة ووحشة. هذا المفهوم يمنحني عزاءً كبيرًا، لأنه يعني أنني لن أحتاج دائمًا لمكان ثابت كي أشعر بالسكينة والانتماء. يمكنني خلق هذا الإحساس أينما كنت. عندما ينبع الأمان والطمأنينة من الداخل، يصبح الانتقال إلى أماكن جديدة أو خوض تجارب مختلفة أقلّ إرهاقًا وأكثر متعة. حالة من الاتزان والثقة تجعل أي مكان جديد فرصة للنمو والاكتشاف بدلاً من كونه مصدرًا للقلق أو التحدي.

مع هذا المِران، أصبحت اتعرف بسهولة على الأشخاص الذين يعانون في فترات التغيير والانتقال. أستطيع تحديدهم بسهولة في غرفة ملأى بالناس. أراها في طريقة حديثهم، في ترددهم قبل التفاعل مع الأحداث الجديدة، وفي محاولاتهم المستمرّة للإمساك باللحظات الماضية، وانغماسهم في المقارنة والتحليل. أفهمهم جيدًا لأنني في صراعهم ذاته، أنا واحدة منهم، أبحث عن طريقة مثالية لأجد بيتي في كلّ مكان، لأحمل بيتي معي.

.

.

.

Painting by Amanda Blake

٥ | إعادة اختراع

قرأت اقتباسًا لحنيف قريشي في إحدى اللقاءات التي أُجريت معه بما معناه: أنّ روعة كونك كاتبًا تكمن في تحوّلك لشخصٍ آخر تمامًا كلّ عشر سنوات. الاقتباس ذكّرني بنفسي تقريبًا والتحوّلات التي مررت بها خلال العقدين الماضية -وهي تقريبًا الفترة التي أصبحت فيها الكتابة مهنتي. في بداية الألفية وبعد تخرّجي من الجامعة كان الهدف الوحيد لديّ أن ألمع كصحفية تطرح القضايا الشائكة والمثيرة للجدل على الطاولة. لكن العشر سنوات الأولى كشفت لي أنّ الأمر لا يشبه الصورة الحالمة التي رسمت.

ولكن، جانب الصحافة بقي حاضرًا في مقالات تُنشر خمس أيام في الأسبوع. كتبتُ في كلّ المواضيع، العادية والهادئة، اخترعت القصص من أحاديث من حولي وناقشت هواجسي وكأنها شأن عامّ. كتبت في التربية والأدب والصحة والمجتمع. أذكر تلك السنوات بوضوح، كلّ شيء كان فرصة لكتابة مقال – كيف تكتب خمس مقالات أسبوعيًا دون أن تخترع قليلا؟ لا أجد فرصة للحديث عن هذه التجربة دائمًا. أمرّ عليها سريعًا في مقابلة عمل مع جهة لا يعرفني فيها المقابلون أو عند تعرّفي على شخص جديد دون أن افترض مسبقًا أنه يعرفني. تبدو بعيدة مثل حلم، وقريبة جدًا إذا واجهتني مصاعب الكتابة اليوم. كنتِ تكتبين خمس مقالات في الأسبوع!

العشر سنوات التالية بدأ هوسي الجديد بكتابة الرواية، سأكتب رواية مختلفة لم تُقرأ من قبل! بدأت التجريب بالقصص القصيرة ومع تأثري بقراءة الكثير من روايات الواقعية السحرية بدأت لمساتها تظهر في فصولي المقترحة. شيء ما مفقود ولم أعرفه. لا أدري متى كانت المرحلة الفاصلة التي قررت معها توديع الخيال والقصص والروايات للأبد. ربما كانت العشر سنوات التالية؟ بدأت أركض في مضمار جديد: كتابة المحتوى التسويقي. الكثير من الخيال طبعًا والبهارات ومنح الأشياء قصص لا تملكها. كتبت لمنتجات ومبادرات وتقنيات جديدة وكتبت لأشخاص ليظهروا بصورة مختلفة، كانوا يعيدون اختراع أنفسهم مثلي.

لا أذكر آخر قصة كتبتها لنفسي لكن الواقع واليوميات أصبحت مجالي المحببّ. أكتب بلا مواربة أو توصيف زائد أو خلق قصة متخيلة. أكتب عن يومي عن مخاوفي عن أصدقائي وأحبتي وتجاربي. تنساب الكتابة هنا بخفّة ولا أجد ممانعة ولا ينضب الحبر إلا عندما أقرر طائعة الانحياز للصّمت. في العقد الحالي قررت أن يكون كتابي الأول سيرة ذاتية لا رواية أو نصوصًا متخيلة. والعمل على الكتاب ذكّرني بحبي لقراءة السّير وكيف تمدّ تأثيرها على أيامي الصعبة. أبحث دائمًا عن قصة شخصٍ ما في مكانٍ آخر يجرب شيئًا مختلفًا. والمشترك في كل السير التي اقرؤها على اختلاف عصرها وثقافتها ومكانها هي المشاعر الغامرة التي يشاركها كُتّابها. هذا ما ابحث عنه وأجده: صوت يقول أنتِ بخير وهذا طبيعي وهناك من يشعر مثلك ويحسّ.

المرور باقتباس حنيف قريشي أخذني في رحلة تفكّر قصيرة لما مررت به مع الكتابة. ظننت أنّ تحولها لوظيفة بالكامل سيترك في نفسي نفورًا منها لكنّ ما فعله عملي بشهيتي مدهش! نهم شديد للحكي والقصّ مكتوبًا ومقروءا. أبحث دوما عن قصة منعشة أو نص ذكيّ ينظر للحياة من زاوية هادئة.

كانت هذه مقدمة طويلة لتدوينة نهاية الأسبوع، كتبتها وأنا استحضر أسبوعًا ملوّنًا مليء بالانتصارات والعجائب الصغيرة. أخذت في منتصفه استراحة غير متوقعة بعد وعكة مزاج -أو جهاز هضمي. حضرت ورشة ممتعة مع الكاتب والمترجم محمد آيت حنّا حول «رحلة الروايات عبر الثقافات» تحدّثت الورشة عن التحولات التي مرّت بها الرواية وكان الجزء الأحبّ منها هو التمرين الذي يختار فيه الحضور رواية يفضلونها ويجيبون عن الأسئلة التالية بناء على اختيارهم:

  • ماهي الأرض الثقافية التي تترسخ فيها الرواية؟
  • كيف عملت الرواية على إخراج الثقافة من الحيز المحلّي إلى الأفق الكوني؟
  • أي نقد ثقافي تقدّمه الرواية؟

الأسئلة أوجدت أحاديث شيقة لقرابة السّاعة وتعرّفت خلالها على روايات جديدة لم أمرّ بها من قبل. وتعرفت على زوايا قراءة مختلفة لروايات قرأتها. خرجت بقائمة ملاحظات على هاتفي وسعادة مختلفة في اكتشاف مكان محببّ من جديد.

بالإضافة للورشة التي حضرتها كانت هذه مفضلاتي للأسبوع:

 

.

.

Collage by Rhed Fawell