٥ | إعادة اختراع

قرأت اقتباسًا لحنيف قريشي في إحدى اللقاءات التي أُجريت معه بما معناه: أنّ روعة كونك كاتبًا تكمن في تحوّلك لشخصٍ آخر تمامًا كلّ عشر سنوات. الاقتباس ذكّرني بنفسي تقريبًا والتحوّلات التي مررت بها خلال العقدين الماضية -وهي تقريبًا الفترة التي أصبحت فيها الكتابة مهنتي. في بداية الألفية وبعد تخرّجي من الجامعة كان الهدف الوحيد لديّ أن ألمع كصحفية تطرح القضايا الشائكة والمثيرة للجدل على الطاولة. لكن العشر سنوات الأولى كشفت لي أنّ الأمر لا يشبه الصورة الحالمة التي رسمت.

ولكن، جانب الصحافة بقي حاضرًا في مقالات تُنشر خمس أيام في الأسبوع. كتبتُ في كلّ المواضيع، العادية والهادئة، اخترعت القصص من أحاديث من حولي وناقشت هواجسي وكأنها شأن عامّ. كتبت في التربية والأدب والصحة والمجتمع. أذكر تلك السنوات بوضوح، كلّ شيء كان فرصة لكتابة مقال – كيف تكتب خمس مقالات أسبوعيًا دون أن تخترع قليلا؟ لا أجد فرصة للحديث عن هذه التجربة دائمًا. أمرّ عليها سريعًا في مقابلة عمل مع جهة لا يعرفني فيها المقابلون أو عند تعرّفي على شخص جديد دون أن افترض مسبقًا أنه يعرفني. تبدو بعيدة مثل حلم، وقريبة جدًا إذا واجهتني مصاعب الكتابة اليوم. كنتِ تكتبين خمس مقالات في الأسبوع!

العشر سنوات التالية بدأ هوسي الجديد بكتابة الرواية، سأكتب رواية مختلفة لم تُقرأ من قبل! بدأت التجريب بالقصص القصيرة ومع تأثري بقراءة الكثير من روايات الواقعية السحرية بدأت لمساتها تظهر في فصولي المقترحة. شيء ما مفقود ولم أعرفه. لا أدري متى كانت المرحلة الفاصلة التي قررت معها توديع الخيال والقصص والروايات للأبد. ربما كانت العشر سنوات التالية؟ بدأت أركض في مضمار جديد: كتابة المحتوى التسويقي. الكثير من الخيال طبعًا والبهارات ومنح الأشياء قصص لا تملكها. كتبت لمنتجات ومبادرات وتقنيات جديدة وكتبت لأشخاص ليظهروا بصورة مختلفة، كانوا يعيدون اختراع أنفسهم مثلي.

لا أذكر آخر قصة كتبتها لنفسي لكن الواقع واليوميات أصبحت مجالي المحببّ. أكتب بلا مواربة أو توصيف زائد أو خلق قصة متخيلة. أكتب عن يومي عن مخاوفي عن أصدقائي وأحبتي وتجاربي. تنساب الكتابة هنا بخفّة ولا أجد ممانعة ولا ينضب الحبر إلا عندما أقرر طائعة الانحياز للصّمت. في العقد الحالي قررت أن يكون كتابي الأول سيرة ذاتية لا رواية أو نصوصًا متخيلة. والعمل على الكتاب ذكّرني بحبي لقراءة السّير وكيف تمدّ تأثيرها على أيامي الصعبة. أبحث دائمًا عن قصة شخصٍ ما في مكانٍ آخر يجرب شيئًا مختلفًا. والمشترك في كل السير التي اقرؤها على اختلاف عصرها وثقافتها ومكانها هي المشاعر الغامرة التي يشاركها كُتّابها. هذا ما ابحث عنه وأجده: صوت يقول أنتِ بخير وهذا طبيعي وهناك من يشعر مثلك ويحسّ.

المرور باقتباس حنيف قريشي أخذني في رحلة تفكّر قصيرة لما مررت به مع الكتابة. ظننت أنّ تحولها لوظيفة بالكامل سيترك في نفسي نفورًا منها لكنّ ما فعله عملي بشهيتي مدهش! نهم شديد للحكي والقصّ مكتوبًا ومقروءا. أبحث دوما عن قصة منعشة أو نص ذكيّ ينظر للحياة من زاوية هادئة.

كانت هذه مقدمة طويلة لتدوينة نهاية الأسبوع، كتبتها وأنا استحضر أسبوعًا ملوّنًا مليء بالانتصارات والعجائب الصغيرة. أخذت في منتصفه استراحة غير متوقعة بعد وعكة مزاج -أو جهاز هضمي. حضرت ورشة ممتعة مع الكاتب والمترجم محمد آيت حنّا حول «رحلة الروايات عبر الثقافات» تحدّثت الورشة عن التحولات التي مرّت بها الرواية وكان الجزء الأحبّ منها هو التمرين الذي يختار فيه الحضور رواية يفضلونها ويجيبون عن الأسئلة التالية بناء على اختيارهم:

  • ماهي الأرض الثقافية التي تترسخ فيها الرواية؟
  • كيف عملت الرواية على إخراج الثقافة من الحيز المحلّي إلى الأفق الكوني؟
  • أي نقد ثقافي تقدّمه الرواية؟

الأسئلة أوجدت أحاديث شيقة لقرابة السّاعة وتعرّفت خلالها على روايات جديدة لم أمرّ بها من قبل. وتعرفت على زوايا قراءة مختلفة لروايات قرأتها. خرجت بقائمة ملاحظات على هاتفي وسعادة مختلفة في اكتشاف مكان محببّ من جديد.

بالإضافة للورشة التي حضرتها كانت هذه مفضلاتي للأسبوع:

 

.

.

Collage by Rhed Fawell 

 

٤ | أن ترى الجمال في كلّ شيء

فكرة التدوينة ولدت منذ فترة وترددت في كتابتها وكلما طال الوقت كلما اقتربت من حذفها وحذف تفاصيلها. لكنّ صوتًا صغيرًا داخلي يقول: هنا جزء من التصالح مع المشكلة، أو كما تقول صديقتي القريبة: التعافي الأنيق!  قبل عدة أشهر كنت أبحث عن صورة لي في فستان أحبّه، ولم أجدها. وأدركت بعد لحظات أن السرّ في غياب هذه الصورة هو حالة أمرّ بها وامتنع معها عن التقاط أيّ صور لي. هاتفي يمتلئ بصور الآخرين، بالأماكن، بالأشياء، ولكن لا شيء يدلّ على وجودي. عندما أمر بهذه الحالة يكون الشعور الطاغي هو: لستِ جميلة كفاية لتخليد هذه اللحظة. هناك شيء ما ينقص من جمال الصورة، ربما شعرك هنا، أو طريقة وقوفك، أو اللون الذي ترتدينه. وكلما أراد الآخرون التقاط صورة لي اعتذر بشدة وأرفض. ذات مرّة شرحت بعينين دامعتين لصديقتي أني لا أحب شكلي في الصور هذه الفترة، ولذلك أريد أن أوضح لها أن رفضي لالتقاطها صوري نابع من هذا الشعور الطاغي.

لكنّ هذه قصة مؤقتة، تغيب وتعود للظهور. وهذه التدوينة هي محاولة لأضع يدي على السرّ ولأتحدث بنبرة سعيدة أني وجدت الحلّ تدريجيًا. وما زلت أحاول.

إذا كنت سأصف نفسي في كلمات: شخص يبحث عن الجمال في كلّ شيء حولي. في أعين الناس، في الصور التي تملأ الشاشات، في الفنّ، في الطبيعة، وفي التفاصيل اليومية. هذا البحث النهم دائم، لا نهاية له ولا قاع أصله فاكتفي. كنت في سباق بلا فائزين! وفي كلّ رحلاتي كان نظري مخطوف باتجاه الخارج، لم أكن أعلم أن ما ابحث عنه يسكنني.

في هذا البحث الدائم أيضًا وقعت في فخ الانفصال التامّ عن انعكاسي في المرآة، كنت انظر، لكن لم أره. شيء ما مفقود، فجوة بين ما أنا عليه وما أريد أن أكونه. كانت المشكلة في الطريقة التي أنظر بها إلى نفسي. لا تحتفي بهذه السمات أو هذه الملامح التي ورثتها عن والديك وأجدادك، ما زال هناك عيوب خفية لا ترينها. تريدين المزيد من التحسين أو الاستسلام لفكرة: انعدام الجمال في نفسك. الآن انطلقي للبحث عنه هناك.

قرأت كلّ عبارات التحفيز ورددتها بيني وبين نفسي: حاربي المعايير المهزوزة والمتغيرة عن الجمال التي نشأتِ عليها أو شاعت بين الناس. لا تقبلي بأن تكوني مقيّدة بهذه المعايير التي وضعها الآخرين. أكداس من صور نمطية أجمعها في صناديق وأحملها معي عبر السنوات.

أما أيامي الجيدة فهي التي تبدأ بوقفة طويلة أمام انعكاسي فأنا أحبّ عيناي ولونها المتغير مع الأجواء في السماء، أحب ابتسامتي وأسناني غير المثالية، العلامات الفارقة، والشبه الذي اشترك فيه مع أخوتي. الطريقة التي أرتدي بها ملابسي، الألوان التي أحبها، كيف أسرح شعري وما هي الاكسسوارات التي ارتديها كل يوم؟ كل هذه التفاصيل في عيني جميلة -قبل أن يتسلل الشكّ طبعًا.

أما أكثر ما يربكني ويوقظ الأسئلة داخلي: الإطراء والمديح! كلّما سمعتها من الآخرين استبعدها وأرى فيها مجاملة لا أكثر. جزء من أجزاء الحديث المطلوبة لتحقيق اللياقة الاجتماعية. أهزّ كتفي معها وأضحك واسخر من نفسي سريعًا لتتحقق شكوكي. لم يكن من السهل علي تصديق أن الآخرين يرون فيّ جمالًا لا أراه. لم يكن التصديق المباشر متاحًا ولن يشفع لأيّ شخص قربه أو وضوح نيّته. كل المدائح زائفة عندما تستيقظ شكوكي.

جمال العقل أولًا

لفترة طويلة، كنت أعتقد أن الذكاء ورجاحة العقل هما كل ما أحتاجه للعيش والتفوق في الحياة. كان تركيزي منصبًّا على توسيع مداركي، صقل مهاراتي، والانغماس في التعلّم والتطور. كنت أرى القوة في بناء عقل متقد، قادر على التحليل، ممتلئ بالمعرفة، وكنت أشعر بفرح عارم وأنا أحقق أهدافي وأثبت لنفسي أنني أستطيع تعلّم مهارة أو كتابة نصّ مبهر! لم ينته الأمر مع مغادرة مقاعد الدراسة، بل امتد لسنوات بعد تخرجي وانطلاقي في الحياة المهنية. وفي ذات الوقت بدأت ملاحظة انفصالي عن جزء مهمّ في ذاتي: عنايتي بمظهري! كان الاهتمام بالجمال والمحافظة عليه تفصيل ثانوي تجاهلته عمدًا. لم تكن قيمتي الحقيقية هنا، ووقعت في فخّ التطرف. كان عقلي قويًا جميلًا ومغريًا، لكن الثمن المقابل انفصالي عن جسدي وصورتي. لا أعلم ما هي الشرارة التي أعادتني لنفسي، ربما انتقالي لمدينة أخرى؟ أو صديقاتي الجدد اللاتي أحطت نفسي بهنّ؟ أصبحت ألاحظ وأراقب وأتعلم. كيف تبدو حقيقتي؟ كان الانسجام بين العقل والجسد والروح هو ما يمنحني حقيقتي الكاملة.  وهكذا، بدأت رحلة استعادة ذاتي. ليس بإنكار ما بنيته، ولكن بإضافة ما أهملته. لم تكن العودة سهلة، لكنها كانت ممتعة. لحظات صغيرة صنعت الفارق: اختيار لون أحمر شفاه يبهجني، تخصيص وقت لنفسي بعيدًا عن القراءة والعمل، العودة لعادات قديمة كنت أحبها. واكتشفت أن الجمال لا يتعارض مع الذكاء، بل يكمله. التحدي الأكبر هو إيجاد جسر يعبر بين جمالية العقل والشكل، لن أقول التوازن التامّ فالأمر بالنسبة لي أرجوحة تحكم حركتها الظروف التي تحيط بي، التعليقات التي أسمعها، وما سيضغط أزراري في ذلك اليوم!

رويت لمرشدتي قصة الصور المفقودة من عطلتي الطويلة والمبهجة، وأعطتني تعليقًا سيعيش معي طويلا: كيف يمكنك رؤية الجمال في كلّ شيء حولك ولا ترينه في نفسك؟ عشرات، بل مئات الصور التي التقطتها للأعمال الفنيّة في روما، والأشجار الخريفية في باريس، ومئات الصور لغروب وشروق الشمس في مكانٍ ما. حتى أحبتك من حولك تحتفظين لهم دائمًا الكثير من الصور، فلمَ لا تفعلينها مع نفسك؟ لتكن البداية من هنا. هذا الجمال الذي أبدعه الخالق من حولك أنتِ جزء منه، أديري العدسة باتجاهك والتقطي صورة.

كان حديثها معي ملهمًا، ومن يومها وأنا أتعلم كطفلٍ يخطو، التقاط الصور العفوية، والسماح للآخرين بذلك، وقبول الإطراء -مع صراعاتي الداخلية- ابتسم وأشكرهم وأقبل الهدية لأحملها في قلبي. في كل مرة كنت أقاوم، أذكّر نفسي بابتسامتي التي أحبّ، بنجاحاتي الصغيرة التي حققتها بصورتي وعقلي معًا.

هذا الصّباح وبينما كنت استعد للخروج للعمل، أنظر لنفسي في المرآة وأرى امرأة بصورتها الكاملة، عقلها قويّ وروحها مشعة وأنوثتها لا تقلّ حضورًا عن ذكائها. وهذا كلّه يعني لي الكثير.

.

.

.

Painting by Alfredo Protti

٣ | مفضّلات ٢٠٢٤

قرّرت كتابة تدوينة مفضلات السنة بشكل مختلف هذه المرّة. لن أشير لمنتجات محددة أو تفاصيل تسوّق لاختيارات بعينها. لكن سأشارك مجموعة من الأفكار التي تبنّينها -أو عدت إليها- هذه السنة وأثرت أيامي.

تقليص عدد منتجات العناية الشخصية والتزيّن بدأت هذا العام بتبسيط روتيني اليومي للعناية الشخصية. واعتمدت على منتجات تقوم بأكثر من وظيفة، مثل كريم للوجه يجمع بين الترطيب وإضفاء إشراقة بسيطة لبشرتي. هذا التغيير قلل من الفوضى على طاولة الاستعداد واختصر وقتي اليومي في الصباح. وكلّ هذا دون أن أتنازل عن الشعور الجيد بالاهتمام بنفسي.

كيف يمكنك تبنّي هذه الفكرة؟  بالبحث عن منتجات ذات جودة عالية تقوم بوظائف متعددة. اكتشف هذه المنتجات عبر طلب عيّنات للتجربة أو اقتناء المنتج بحجم صغير (عبوات السفر) والتأكد من توافقها مع بشرتك قبل الاستثمار في المنتج بحجمه الكامل.

إعادة تدوير المحتوى وبالتحديد في مهامّي العملية، اكتشفت جمالية إعادة تدوير النصوص. أصبح ما أكتبه في لحظةٍ ما نصًا أوليًا، يُعاد تشكيله لاحقًا ليخدم أغراضًا متعددة. هذا الأسلوب لم يقلل من الساعات التي أمضيها على الكتابة فقط، بل أتاح لي أيضًا تعلم تقنيات وأساليب جديدة. فكرة واحدة قد تتطور لتصبح عشرات المقتطفات القابلة للاستخدام في منشورات أو نصّ لفيلم قصير، أو لوحة في معرض فنّي!

كيف يمكنك تبنّي هذه الفكرة؟ باستخدام أدوات إدارة المحتوى مثل مستندات Google أو Notion لتوثيق أفكارك ونصوصك. هذه التطبيقات القابلة للتحديث بشكل مستمر تضع النصوص الرئيسية في مكانٍ واحد ومن ثمّ تتيح بناء التشعبات والنسخ المطورة عنها بشكل منظم مثل المقالات، المنشورات القصيرة، أو العروض التقديمية.

التجول مع المرشدين: قصص ممتعة وزوايا تأمل جديدة. خلال زياراتي للمتاحف والمعارض في روما، جرّبت للمرة الأولى التجول بصحبة مرشدين. في الماضي، كنت أحمل خريطة أو استخدم تطبيق الجوال واتنقل بين الأجنحة بشكل عشوائي، مكتفية بما يلفت نظري من الأعمال الفنيّة. لكن هذا العام قررت الاستماع إلى القصص التي تكمن وراء تلك اللوحات والمنحوتات. بل أكثر من ذلك، وجدت نفسي اتحدث مع المرشدين عن مشاعري تجاه الأعمال والقصص التي مررت بها حتى وقفت أمام العمل الأصلي في مكانه وهذا يضفي على الزيارة طابعًا أكثر حميمية.

كيف يمكنك تبنّي هذه الفكرة؟ عند زيارة أي معرض أو متحف، اسأل عن عن خيارات غير التجول منفردين، كيف يمكن التواصل مع مرشدين سواء من داخل المكان أو عبر مواقع وسيطة؟ إذا لم يتوفّر هذا الخيار، يمكن تحميل تطبيقات الجولات الافتراضية واستخدامها خلال الجولة. والتنبّه لتوفر أجهزة التعليق الصوتي مثلا، وكلها تقدم معلومات مفصلة عن الأماكن. هناك خيار آخر يمكن الاستفادة منه حتى قبل زيارتكم لتحديد مواقع الأعمال الفنيّة المهمة مثل Google Arts & Culture.

تطبيق أبجد: استعادة حبّ القراءة الإلكترونية اشتركت بتطبيق أبجد خلال هذا العام، وكانت تجربة مختلفة فالكتب عربيّة ومتنوعة وخصائص التطبيق كلها أعجبتني. قرأت الكتب إلكترونيًا أكثر من أي وقت مضى، واستمتعت بالحصول على الإصدارات الجديدة فور صدورها. التزامي بقراءة كتاب لكل شهر أضاف شعورًا بالإنجاز، وأعادني إلى حبّ القراءة الذي ربما غاب قليلًا مع انشغالات الحياة وصعوبة حمل الكتب معي في كلّ مكان. ربما ملاحظتي الوحيدة على التطبيق هو قوائم الكتب المقترحة فهي بالنسبة لي غريبة وغير منطقية أحيانًا. لكن كنت ابحث باسم الكاتب أو الكتاب أو المترجمين لأجد اختياراتي بسهولة دون الحاجة لتصفح القوائم الجاهزة.

وجبات تختصر الوقت في مطبخي، تعلمت تحضير وجبات تجمع بين جاهزيتها وبساطتها. استخدمت مكونات مثل الصلصات المعلبة والمخللات، وأحيانًا كنت أدمج بين إعداد طبق منزلي وطلب آخر من تطبيقات التوصيل لتكوين وجبة لذيذة ترضي شهيتي في تلك اللحظة. هذا التوازن بين الطهي الكامل والاستعانة بالخدمات السريعة جعل تجربة إعداد الطعام أكثر خفة واستمتاعًا.

كيف يمكنك تبنّي هذه الفكرة؟ التخطيط للوجبات الأسبوعية مسبقًا وشراء مكونات أساسية يمكن استخدامها بطرق متعددة. يمكن تحضير الأطعمة التي تحتاج تقطيع أو تنظيف مسبقا وتخزينها في الثلاجة أو الفريزر لتوفير الوقت خلال أيام الأسبوع المزدحمة. وعند اختيار طلب الأطعمة من تطبيقات التوصيل اختار ما لا يمكنني تجهيزه في المنزل في وقت الوجبة كالمشاوي مثلًا أو السوشي.

اكتشاف مقاهي الحيّ القريبة من منزلي كان من أجمل اكتشافات العام. كوب القهوة الذي أتناوله في مقهى جديد، سواء كان ذلك في صباح أيام الأسبوع أو خلال عطلة نهاية الأسبوع، أضاف لمسة منعشة إلى يومي. أحيانًا تكون تجربة بسيطة كهذه كافية لتغيير مزاجك بالكامل.

كيف يمكنك تبنّي هذه الفكرة؟ اختر مقهى جديد كلّ أسبوع أو اثنين مع تجربة مشروبات مختلفة (أنواع مختلفة من البنّ) مع سؤال العاملين في المكان عن توصياتهم واقتراحاتهم للمشروبات والأطعمة الخفيفة. ولتحويل زيارة المقهى لتجربة ممتعة ومتكاملة انقل كتابك معك أو عملك أو أي مشروع محببّ آخر.

ترك التخطيط جانبًا واعتناق العفوية (والقليل من الفوضى) هذا العام، قررت ترك مساحة أكبر للعفوية في حياتي. جربت اختيار وجهات سفر بشكل مفاجئ، وقراءة كتب لم تكن على قائمتي، وحتى مشاهدة أنواع جديدة من البرامج التلفزيونية والأفلام. هذه اللحظات غير المخطط لها حملت مفاجآت ممتعة، وكانت تذكيرًا بأن الحياة أحيانًا تكون أجمل عندما نترك لها الفرصة لتفاجئنا.

كيف يمكنك تبنّي هذه الفكرة؟ لن أقول وضع خطة لتطبيق هذه الفكرة، بل إعداد قائمة تجمع الأشياء التي قد تثير اهتمامك لتجربتها يومًا ما.  وبلا خطّة ألق نظرة على هذه القائمة من وقت لآخر واستمتع بتطبيق ما فيها. يمكن أن تضم القائمة زيارة مدينة قريبة، أو مشاهدة فيلم بموضوع مختلف عن المعتاد، أو حتى تجربة هواية جديدة مثل الرسم أو التصوير.

 

أتمنى أن تكون هذه التدوينة بمثابة البوصلة لكم لإيجاد تغييرات نوعية في حياتكم يسهل تبنّيها واكتشافها. 

 

٢ | أنتم مبروكين

١

بدأت كتابة تدوينة هذا الأسبوع أمام نافذة تطل على الحرم المكّي الشريف. وقبل أسبوع بالتحديد بينما قضيت ساعات المساء الأولى في المنزل اقترحت على أختي الذهاب لمكّة وأداء العمرة. لم يكن هناك الكثير من التفكير، حركنا بعض المواعيد وطلبنا إجازة من العمل وانطلقنا مدفوعين بالحماس لعطلة روحيّة قصيرة ولنفض غبار العام الماضي عن قلوبنا. كلما عرف أحد من حولنا بموعد الرحلة قدّم لنا تحذيراته حول الازدحام والتوقيت الصعب، لكننا كنا محاطين بهدوء طيّب: تتيسر بإذن الله!

في عمرتي السابقة كانت الأجواء مختلفة فقد سبقت بيومٍ واحد إلغاء إجراءات التباعد في الحرم وتقييد أعداد الدخول. أذكر أنّي ووالدتي اعتمرنا وعدنا للفندق وفي نشرة المساء الإخبارية شاهدنا الإعلان والموظفين يزيلون العلامات اللاصقة من الأرضيات.

كلّ شيء حول هذه الرحلة تيسّر والحمد لله. من حجز السكن للطائرة للوصول والخروج السلس من المطار لمكة. والسائق الذي اصطحبنا هناك أعلن في لحظةٍ ما قبل الوصول: أنتم مبروكين! فوصولنا تزامن مع وقت صلاة الـظهر وإغلاقات معتادة للشوارع لكن رجال الأمن وبلا أسئلة أو تدقيق سمحوا لنا بالمرور. لقد استشعرت كلماته في قلبي، فما أجمل الشعور بالبركة تحلّ في حياتك اليومية.

في الساعات التالية خضنا تجربة حسّية غير عادية، أقول لذلك لأنني لم أجد نفسي في ازدحام مماثل أبدًا! وبدأ الصراع الداخلي بيني وبين نفسي هل أدفع الناس عنّي أو اندمج معهم ونتحرك سوية لإتمام مناسكنا. في الحرم أبلغنا رجال الأمن عند الدخول أن صحن الطواف مغلق، ولكني بعنادي المعتاد قررت أن أجد مدخلًا. أكملت المسير مع أختي وفي كل زاوية أعود للتحدث مع رجل أمنٍ آخر وأطلبه سرّ الدخول. وصلنا لأحدهم وأشار بيده إلى جهة خفية من المكان وبعد دقائق وجدنا أنفسنا هناك.

هناك بدأنا طوافنا محاطين بالبشر من كلّ بقعة في الأرض. تسمع أدعيتهم المتضرعة وتردد معهم قليلًا وتأمن، وتعود لنفسك فتذكر دعواتك التي رتبتها في قلبك وتجهزت لها لأيام. التفت فأشاهد الأطفال محمولين على أكتاف آبائهم (هل سيذكرون هذه اللحظات؟) سلسلة من الأصوات والمشاعر لن تعيشها في أي مكان آخر.

تيسرت العمرة بأجمل صورة وتلاشى التعب والتوتر من الازدحام وفي لحظة خارج المكان والزمان احتضنت أختي بحبّ. لقد فعلناها! أتممنا أول وأهمّ رحلة لهذا العام فالحمد لله على التيسير.

سنقضي عدة أيام في جدة لننعم بالدفء ورؤية البحر فهو وجهتي في كلّ منطقة ساحلية أزورها. نستعيد في رحلتنا هذه أول زيارة للساحل الغربي، ورحلاتنا التي ذهبنا فيها سويّة. الاكتشافات والمذاقات والأصدقاء الذين نجتمع بهم في كلّ مرة نزور المدينة.

استعد أيضًا لأسبوع ممتلئ بالأعمال والخطط، ومشروع ورش العمل التي سأقدمها خلال العام سيدخل حيز اختيار الأماكن والجهات التي سأتعاون معها.

 

٢

أسعد بتعليقاتكم على التدوينات دائمًا وفي التدوينة السابقة تركت «هلا» تعليقًا ذكرني بتدوينات المفضلات التي كنت أنشره من وقت لآخر، فكّرت في تدوينة مناسبة لمفضلات ٢٠٢٤ (شيء مثل جوائز السنة لمنتجات وتجارب أحببتها) بدأت فعليًا بإعدادها وقد أضيف مفضلات جديدة من رحلة نهاية هذا الأسبوع.

 

٣

قرأت خلال الأسبوع الماضي اقتباسًا لتشارلي مونجر – مستثمر ورجل أعمال أمريكي- يتحدث فيه عن الخوارزمية الأساسية للحياة وهي أننا عندما نجد شيئا يعمل بشكل جيد، نستمر في فعله. وبعبارة أخرى: كرّر ما ينجح. وأذكر هنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من بورك له في شيء فليلزمه». شعار حياتي الحالي وسرّ عودتي الدائمة لمجالات العمل والتعلم التي أحبها. أثبتت هذه الخيارات جودتها وعوائدها المادية والمعنوية على حدّ سواء، لذلك أختارها من جديد كلّ مرة. وهذه المقولة أيضًا هي السرّ الذي يدفعني على التمسك بمجال عملي مهما بدت التغييرات الأخرى مغرية ومحفزة. بدأت الكتابة قبل أكثر من عشرين سنة، وأنوي التمسك بها ما حييت.

 

.

.

.

 

١ | البناء بعد الهدم

احتفظ باقتباس لشين باريش يصف فيه التقويم الشخصي بأنه أصدق سيرة ذاتية لنا. عندما عدتُ لتقويم ٢٠٢٤، كان الأمر أشبه بقراءة قصّة بلا حوار. قصاصات عائمة وأفكار مجتزأه من سياق خفيّ ومدن زرتها، ومواعيد رحلات، ووقفات تأمل متقطّعة. لقد عشت عامًا كاملاً من العشوائية العفوية، كمن يلتقط أنفاسه بعد فترة طويلة من الركض. وتدريجيًا أعدت تشكيل الروتين الذي دمّرته عمدًا. وأقول دمّرته عمدًا لأني رأيت كلّ شيء يتداعى من حولي، أوقات نومي وقراءاتي وكتابتي ونشاطي البدني وحتى اختياراتي الغذائية. وفي نفس الزاوية كنت أراقب نفسي لأرى ما يمكن تبنيه من جديد، وما يستحق الاستمرار أو التخلي. وقررت: آن الأوان للهدم أولًا ثم البناء خطوة بخطوة. استخدمت أسئلة ظريفة للتفكير مثل: ما الذي يسهل تبنيه؟ ما الذي يشعرني بالراحة ويمكنني الاستمرار عليه؟ لم أكن أبحث عن الكمال، بل عن الاتساق!

وضعت المرح والاستمتاع في مقدمة أولوياتي. تعاملت مع كل شيء بميزان اللعب والفضول، أكتشف وأتعلم. جرّبت أشياء جديدة بلا خوف من الفشل.  قابلت أشخاصًا من عوالم مختلفة، واتجاهات ومجالات عمل. تعلّمت أيضًا أن بناء العلاقات يحتاج إلى فضول حقيقي تجاه الآخر. استمعت أكثر مما تحدثت، وأصبحت أكثر تقبلاً للاختلافات.

ركّزت انتباهي على علاقات محددة لتحسينها وإثرائها. ودفعت بنفسي في أحيانٍ كثيرة للخروج من المنزل واكتشاف المدينة التي حلمت بالانتقال إليها لسنوات. وفي السياق ذاته آمنت أنّ العزيمة مهمّة لكنها غير كافية، فقد تكون العنصر المفقود الذي بحثت عنه طويلا لكنها لم تُفعل بشكلها الكامل حتى تحققت من أهميتها في داخلي. تخففت من الحوارات الداخلية المؤذية وكما نصحتني أختي موضي «ارفعي قدمك عن الكوابح، فالمركبة تنزلق بسرعة وستقف في مكانٍ ما لكنّ المقاومة لن تساعدك في شيء».

في ختام سنة مدهشة، ودعت المشاريع العالقة للأبد. في العمل والعلاقات والملفات والحاجيات المكدّسة في مساحتي الخاصة. أصبحت هذه العناصر عبئًا ثقيلا. هكذا تبدو الأشياء بلا مستقبل! ولأنّني في طريقي لإعادة البناء والتهيئة كان الاستغناء خطوة جادة للبدء.

وعلى صعيد استعادة الاهتمام والشغف اخترت التخطيط لتقديم ورش عمل إبداعية خلال ٢٠٢٥، ستتنوع بإذن الله بين ورش الكتابة والسرد القصصي. واخترت أيضًا تقديمها حضوريًا حول المملكة في مدن أحبها وأعود إليها. وجزء آخر من الورش سيكون افتراضيًا ليسمح بعدد أكبر بالحضور.

اخترت اليوم «الخميس» ليكون الموعد الأسبوعي لتدوينة جديدة. عدت لملخص تدوينات قصاصات على مر السنوات الماضية وفوجئت بالكم الهائل من المدخلات! اشتقت للكتابة الأسبوعية وحماس التفكير في موضوع كلّ مرة. هذه المساحة التي سأعود من خلالها لنفسي، لتوثيقّ ما مرّ، وللتأمل في فكرة أو أكثر وتوسيع النقاش خارج رأسي.

.

.

Edward Sutcliffe (British, 1978), Floral Painting*